المصباح من شجرة مباركة وهي الزيتونة والزيتونة لا شرقية ولا غربية في موقعها من البستان لا ترى الشمس إلا في الصباح، ولا غربية لا ترى الشمس إلا في المساء بل هي وسط البستان تصيبها الشمس في كامل النهار فلذا كان زيتها في غاية الجودة يكاد يشتعل لصفائه، ولو لم تمسه نار، وقوله تعالى: ﴿نور على نور١﴾ أي نور النار على نور الزيت وقوله تعالى: ﴿يهدي الله لنوره من يشاء﴾ يخبر تعالى أنه يهدي لنوره الذي هو الإيمان والإسلام والإحسان من يشاء من عباده ممن علم أنهم يرغبون في الهداية ويطلبونها ويكملون ويسعدون عليها.
وقوله: ﴿ويضرب٢ الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم﴾ يخبر تعالى: أنه يضرب الأمثال للناس كهذا المثل الذي ضربه٣ للإيمان وقلب عبده المؤمن وأنه عليم بالعباد وأحوال القلوب، ومن هو أهل للهداية ومن ليس لها بأهل، إذ هو بكل شيء عليم.
وقوله: ﴿في بيوت٤ أذن الله أن ترفع﴾ أي المصباح في بيوت أذن الله أي أمر وَوَصّى أن ترفع حساً ومعنى وهي المساجد فتطهر من النجاسات ومن اللغو فيها وكلام الدنيا٥ وتصان وتحفظ من كل ما يخل بمقامها الرفيع لأنها بيوت الله تعالى، وقوله: ﴿ويذكر فيها اسمه﴾ أي بالأذان والإقامة والصلاة والتسبيح والدعاء وقراءة القرآن. وقوله تعالى: ﴿يسبح له فيها﴾ أي لله في تلك البيوت ﴿بالغدو﴾ أي بالصباح ﴿والآصال٦﴾ أي المساء ﴿رجال﴾ مؤمنون صادقون أبرار متقون ﴿لا تلهيهم تجارة ولا بيع﴾ أي لا شراء ولا بيع ﴿عن ذكر الله﴾ فقلوبهم ذاكرة غير غافلة وألسنتهم ذاكرة غير لاهية ولا لاغية ﴿وإقام الصلاة وإتياء الزكاة﴾ أي لا تلهيهم دنياهم عن آخرتهم فهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة.
وقوله: ﴿يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار﴾ أي من شدة الخوف وعظم الفزع والهول وهو يوم القيامة وقوله تعالى: ﴿ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله﴾
٢ قوله تعالى: ﴿يهدي الله لنوره من يشاء﴾ إلى قوله: ﴿عليم﴾ هي ثلاث جمل معترضة أو تذييل لما سبق من الكلام.
٣ قال ابن عباس هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسّه النار فان مستّه النار أزداد ضوءه كذلك قلب المؤمن، يكاد يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا جاء العلم زاده هدىً على هدىً ونوراً على نور.
٤ كون ﴿في بيوت﴾ متعلقاً بقول ﴿مصباح﴾ أولى وأوضح من تعلقه بيسبح له وإن قيل: كيف يعود إلى المصباح، وهو واحد والبيوت جمع؟ قيل: هذا كقوله: ﴿وجعل فيهن نوراً﴾ وهو في سماء واحدة لا في كل سماء وإنما هو تلوين للخطاب.
٥ لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذي أنشد الضالة: "لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له" يريد الصلاة والذكر وقراءة القرآن وتعلّم العلم.
٦ الآصال: جمع أصيل وهو المساء.