فيظهره على الدين كله ويحفظه من التغيير والتبديل والزوال إلى قرب الساعة وقوله تعالى: ﴿وليبدلنهم من١ بعد خوفهم أمناً﴾ إذ نزلت هذه الآية والمسلمون خائفون بالمدينة لا يقدر أحدهم أن ينام وسيفه بعيد عنه من شدة الخوف من الكافرين والمنافقين وتألب الأحزاب عليهم ولقد أنجز تعالى لهم ما وعدهم فاستخلفهم وأمكن لهم وبدلهم بعد خوفهم أمناً فلله الحمد والمنة.
وقوله: ﴿يعبدونني٢ لا يشركون بي شيئاً﴾ هذا ثناء عليهم، وتعليل لما وهبهم وأعطاهم يعبدونه لا يشركون به شيئاً وقد فعلوا وما زال بقاياهم من الصالحين إلى اليوم يعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئاً اللهم اجعلنا منهم. وقوله تعالى: ﴿ومن كفر بعد ذلك فأولئك٣ هم الفاسقون﴾ وعيد وتهديد لمن كفر بعد ذلك الإنعام العظيم والعطاء الجزيل فأولئك هم الفاسقون عن أمر الله الخارجون عن طاعته المستوجبون لعذاب الله ونقمته. عياذاً بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- مشروعية الإقسام بالله تعالى وحرمة الحلف بغيره تعالى.
٢- عدم الثقة في المنافقين لخلوهم من موجب الصدق في القول والعمل وهو الإيمان.
٣- طاعة رسول الله موجبة للهداية لما فيه من سعادة الدارين ومعصيته موجبة للضلال والخسران.
٤- صدق وعد الله تعالى لأهل الإيمان وصالح الأعمال من أصحاب رسول الله.
٥- وجوب الشكر على النعم بعبادة الله تعالى وحده بما شرع من أنواع العبادات.
٦- الوعيد الشديد لمن أنعم الله عليه بنعمة أمن ورخاء وسيادة وكرامة فكفر تلك النعم ولم يشكرها فعرضها للزوال.

١ فان قيل: وأين الأمن وقد قتل عمر وعثمان وعلي غيلة؟ فالجواب: ليس الأمن مانعاً من الموت فالموت حتم مع الأمن ومع الخوف لأنها آجال محدودة لا تزيد ولا تنقص:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد
وأخرج مسلم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون".
٢ الجملة يصح أن تكون حالاً أي: في حال عبادتهم الله تعالى بالإخلاص والعلم. وجائز أن تكون مستأنفة تحمل الثناء عليهم بعبادة ربهم تعالى وحده.
٣ المراد بالكفر: كفران النعم، وقد حصل هذا بعد القرون المفضلة حيث فسدت العقائد وتمزقت الروابط، وأهمل الدين، وسلب الله ما أعطى، وفي هذا دليل آخر على صحة القرون والنبوة والإسلام إذ هذه أخبار غيب تمت كما أعلنت.


الصفحة التالية
Icon