قال تعالى فيه ﴿ألم تر﴾ أيها الرسول أي تنظر إلى صنيع ربك جل جلاله ﴿كيف مد الظل، ولو شاء لجعله ساكنا﴾ ينتقل، ﴿ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً﴾ إذ بضوءها يعرف، فلولا الشمس لما عرف الظل وقوله تعالى ﴿ثم قبضناه إلينا قبضاه يسيراً﴾ حسب سنته ففي خفاء كامل وسرعة تامة يقبض الظل نهائياً ويحل محله الظلام الحالك.
وثانياً: في الليل والنهار قال تعالى: ﴿وهو الذي جعل لكم الليل لباساً١﴾ أي ساتراً يستركم بظلامه كما تستركم الثياب ﴿والنوم٢ سباتاً﴾ أي وجعل النوم قطعاً للعمل فتحصل به راحة الأبدان ﴿وجعل النهار نشوراً٣﴾ أي حياة بعد وفاة النوم فيتنشر فيه الناس لطلب الرزق بالعمل بالأسباب والسنن التي وضع الله تعالى لذلك.
وثالثا: إرسال الرياح للقاح السحب للمطار لإحياء الأرض بعد موتها بالقحط والجدب قال تعالى: ﴿وهو الذي أرسل الرياح٤﴾ هو لا غيره من الآلهة الباطلة ﴿أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته﴾ أي مبشرات بالمطر متقدمة عليه وهو الرحمة. وهي بين يديه فمن يفعل هذا غير الله؟ اللهم إنه لا أحد.
ورابعاً: إنزال الماء الطهور العذب الفرات للتطهير به وشرب الحيوان والإنسان قال تعالى ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهوراً٥ لنحي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً أي إبلاً وبقراً وغنماً {وأناسي كثيراً﴾ أي أناساً كثيرين وهم الآدميون ففي خلق الماء وإنزاله وإيجاد حاجة في الحيوان والإنسان إليه ثم هدايتهم لتناوله وشربه كل هذا آيات الربوبية الموجبة لتوحيد الله تعالى.
وخامساً: تصريف المطر بين الناس فيمطر في أرض ولا يمطر في أخرى حسب لحكمة الإلهية والتربية الربانية. قال تعالى: ﴿ولقد صرفناه بينهم٦﴾ أي بين الناس كما
٢ أصل السبت: القطع والتمدد فهو بانقطاع البدن عن العمل تحصل له الراحة لذا قيل للنوم سبات لأنه بالتمدد يكون، وفي التمدد معنى الراحة.
٣ كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أصبح يقول: "الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور".
٤ قيل: إن تكوين الرياح سببه التقاء حرارة جانب من الجر ببرودة جانب آخر تنشأ السحب.
٥ أكثر الفقهاء على أن الماء الطهور غير الطاهر فالطهور: هو الذي تزال به الأحداث بخلاف الطاهر فلذا كل طهور طاهر وليس كل طاهر طهوراً.
٦ وجائز أن يراد بقوله ﴿صرفناه بينهم﴾ القرآن الكريم إذ جرى ذكره أول السورة وفي أثنائها أيضاً.