معنى الآيات:
ما زال السياق والحوار الدائر بين موسى عليه السلام وفرعون عليه لعائن الرحمن فرد فرعون على موسى بما أخبر تعالى به عنه في قوله ﴿قال ألم نربك١ فينا وليداً﴾ أي أتذكر معترفاً أنا ربيناك وليداً أي صغيراً وأنت في حال الرضاع ﴿ولبثت فينا﴾ أي في قصرنا مع الأسرة المالكة ﴿سنين﴾ ثلاثين سنة قضيتها من عمرك في ديارنا ﴿وفعلت فعلتك (٢) ﴾ أي الشنعاء ﴿التي فعلت﴾ وهي قتل موسى القبطي ﴿وأنت من الكافرين﴾ أي لنعمنا عليك الجاحد بها، كان هذا رد فرعون فلنستمع إلى رد موسى عليه السلام كما أخبر به الله تعالى عنه في قوله: ﴿قال فعلتها إذاً﴾ أي يومئذٍ ﴿وأنا من الضالين﴾ أي الجاهلين لأنه لم يكن قد علمني ربي ما علّمني الآن وما أوحى إليّ ولا أرسلني إليكم٢ رسولاً ﴿ففرت٣ منكم لما خفتكم﴾ من أجل قتلي النفس التي قتلت وأنا من الجاهلين ﴿فوهب لي ربي حكماً﴾ أي علماً نافعاً يحكمني دون فعل ما لا ينبغي فعله ﴿وجعلني من المرسلين٤﴾ أي من أنبيائه ورسله إلى خلقه ثم قال له رداً على ما امتن به فرعون بقوله: ﴿ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين﴾ فقال ﴿وتلك٥ نعمة٦﴾ أي أو تلك نعمة تمنها علي وهي ﴿أن عبدت بني إسرائيل﴾ أي استعبدتهم أي اتخذتهم عبيداً لك يخدمونك تستعملهم كما تشاء كالعبيد لك ولم تستعبدني أنا لاتخاذك إياي ولداً حسب زعمك فأين النعمة التي تمنها علي يا فرعون، نترك رد فرعون إلى الآيات التالية.
٢ الفعلة: المرة وبالكسر: الهيئة وقرأ الجمهور ﴿فَعلتك﴾ وهي المرة من الفعل، وشاهد الفعلة بالكسر للهيئة قول الشاعر:
كأن مشيتها من بيت جارتها
مَرّ السحابة لا ريث ولا عجل
يذكره بقتله القبطي تخويفاً له وتهديداً.
٣ كان خروج موسى من مصر إلى أن عاد إليها أحد عشر عاماً إلا أشهرا.
٤ أي فررت منكم إلى أرض مدين.
٥ بناء على أنه قضى ثلاثين سنة في مصر وأحد عشر عاماً خارجها فقد نبيء على رأس الأربعين وهي سنة الله تعالى في الرسل.
٦ حرف الاستفهام مقدر أي: أو تلك كما هو في التفسير والاستفهام إنكاري أي ينكر موسى على فرعون أن يكون استعباد بني إسرائيل نعمة تعدّ عليهم وهذا التقدير أولى من قول: "إن موسى اعترف لفرعون بنعمة التربية من حيث استعبد غيره وتركه هو لم يتعبده" ومن اعترض بأن همزة الاستفهام لا تحذف إذا لم يكن في الكلام أم الدالة عليها محجوج بشواهد كثيرة منها قول الشاعر:
لم أنس يوم الرحيل وقفتها
وجفنها من دموعها شرق
وقولها والركاب واقفة
تركتني هكذا وتنطلق
والشاهد في قوله: تركتني إذ الأصل: أتركتني فحذفت همزة الاستفهام مع عدم (أم).