وبرزت الجحيم للغاوين: أي أظهرت وجليت للغاوين
هل ينصرونكم: أي بِدَفْع العذاب عنكم.
معنى الآيات:
هذا آخر قصص إبراهيم وخاتمته لما ذكر إبراهيم قومه ووعظهم رفع يديه إلى ربه يسأله ويتضرع إليه فقال ﴿رب هب لي حكماً﴾ أي علماً نافعاً يمنعني من فعل ما يسخطك عني ويدفعني إلى فعل ما يرضيك عني، ﴿وألحقني بالصالحين﴾ في أعمالهم الخيرية في الدنيا وبمرافقتهم في الجنة١ ﴿واجعل لي لسان٢ صدق في الآخرين﴾ أي اجعل لي ذكراً حسناً أذكر به فيمن يأتي من عبادك المؤمنين، ﴿واجعلني٣ من ورثة جنة النعيم﴾ الذين يرثونها بالإيمان والتقوى بعد فضلك عليهم ورحمتك بهم، ﴿واغفر لأبي إنه كان من الضالين﴾ أي الجاهلين بك وبمحابك ومكارهك فما عبدوك ولا تقربوا إليك. وكان هذا من إبراهيم قبل العلم بأن أباه عدو لله حيث سبق له ذلك أزلاً، إذ قد تبرأ منه بعد أن علم ذلك وقوله ﴿ولا تخزني﴾ أي لا تذلني ﴿يوم يبعثون﴾ أي من قبورهم للحساب والجزاء على أعمالهم ﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون﴾ وهو يوم القيامة ﴿إلا من أتى الله بقلب٤ سليم﴾ أي لكن من أتى الله أي جاءه يوم القيامة وقلبه سليم من الشرك والنفاق فهذا ينفعه عمله الصالح لخلوه مما يحبطه وهو الشرك والكفر الظاهر والباطن وقوله تعالى ﴿وأزلفت الجنة﴾ أي قربت وأدنيت للمتقين الله ربهم فلم يشركوا به في عبادته ولم يجاهروا بمعاصيه، ﴿وبرزت الجحيم٥﴾ أي أظهرت وارتفعت ﴿للغاوين﴾ أي أهل الغواية والضلالة في الدنيا من المشركين والمسرفين في الإجرام والشر والفساد ﴿وقيل لهم﴾ أي سئلوا في عرصات القيامة ﴿أين ما كنتم تعبدون من دون الله﴾ ؟ أروناهم ﴿هل ينصرونكم﴾ مما أنتم فيه
٢ وقد استجاب الله تعالى له حيث اجتمع أهل الأديان على الثناء عليه والانتساب إلى ملته وإن كانوا مبطلين لما خالطهم من الشرك وها هي ذي أمة الإسلام لا تُصلي صلاة إلاّ وتصلي عليه وعلى آله فهذا ذكر حسن خالد وثناء عطر باق قال مالك: لا بأس أن يحب المرء أن يثني عليه صالحاً ويُرى في عمل الصالحين إذا قصد به وجه الله تعالى لهذه الآية وغيرها نحو: ﴿سيجعل لهم الرحمن وداً﴾ ﴿وألقيت عليك محبة مني﴾.
٣ في هذا ردّ على من زعم أنه لا يسأل الله جنة ولا يستجيره من النار.
٤ السليم من الشك والشرك وأمراض الكبر والحسد والعجب والغل ولأنه إذا سلم القلب سلمت الجوارح لحديث: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" من الصحيح.
٥ أي: تظهر جهنم لأهلها قبل أن يدخلوها حتى يستشعروا الروع والحزن كما يستشعر أهل الجنة المسرة والفرح قبل دخولها. إذ الجنة تزلف والجحيم تبرز، وهذا في عرصات القيامة.