ظاهر بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ثمرة ظلمة الكفر التي في قلوبهم وقوله: ﴿لوما تأتينا١ بالملائكة﴾ لو ما هنا بمعنى هلا التحضيضيه أي هلا تأتينا بالملائكة نراهم عياناً يشهدون لك بأنك رسول الله ﴿إن كنت من الصادقين﴾ في دعواك النبوة والرسالة فأت بالملائكة تشهد لك. قال تعالى ﴿ما ننزل٢ الملائكة إلا بالحق﴾ أي نزولاً ملتبساً بالحق. أي لا تنزل الملائكة إلا لإحقاق الحق وإبطال الباطل لا لمجرد تشهي الناس ورغبتهم ولو نزلت الملائكة ولم يؤمنوا لنزل بهم العذاب فوراً ﴿وما كانوا إذاً منظرين٣﴾ أي ممهلين بل يهلكون في الحال. وقوله تعالى في الآية (٩) ﴿إنا نحن نزلنا الذكر﴾ أي القرآن ﴿وإنا له لحافظون﴾ أي من الضياع ومن الزيادة والنقصان لأنه حجتنا على٤ خلقنا إلى يوم القيامة. أنزلنا الذكر هدى ورحمه وشفاء ونوراً. هم يريدون العذاب والله يريد الرحمة. مع أن القرآن نزلت به الملائكة، والملائكة إن نزلت ستعود إلى السماء ولم يبق ما يدل على الرسالة إلا القرآن ولكن القوم لا يريدون أن يؤمنوا وليسوا في ذلك الكفر والعناد وحدهم بل سبقتهم طوائف وأمم أرسل فيهم فكذبوا وجاحدوا وهو قوله تعالى: ﴿ولقد٥ أرسلنا من قبلك في شيع٦ الأولين﴾ أي في فرقهم وأممهم ﴿وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به٧ يستهزئون﴾ لأن علة المرض واحدة إذاً فلا تيأس يا رسول الله ولا تحزن بل اصبر وانتظر وعد الله لك بالنصر فإن وعده حق: ﴿كتب ألله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز﴾.

١ ﴿لوما﴾ كلولا وهلاّ: حرف تحضيض على الفعل نحو: لو ما أكرمت عمراً ولولا أكرمت زيداً وهلا كذلك، وتأتي مع الخبر فلا يراد بها التحضيض نحو: لو ما خوف الله لقلت فيك كذا وكذا، قال الشاعر:
لو ما الحياء ولوما الدين عبتكما
ببعض ما فيكما إذ عبتما عَوَري
٢ قرأ حفص: ﴿ما ننزل الملائكة﴾ وقرأ بعضهم ﴿ما تنزّل﴾ وقرأ ورش عن نافع ﴿ما تُنَزَّل﴾ بحذف إحدى التائين نخفيفاً، إذ الأصل: تتنزّل.
٣ أصل: إذاً: إذ أن، ومعناها حينئذ أي: تنزّلت الملائكة بإهلاكهم لما كانوا حينئذ منظرين أي. ممهلين ساعة من الزمن.
٤ قالت العلماء: لما وكل الله تعالى حفظ التوراة والإنجيل إلى أهل الكتاب في قوله ﴿بما استحفظوا من كتاب الله﴾ أضاعوه فزادوا فيه ونقصوا منه، ولمّا تولى الله تعالى حفظ القرآن، حفظه فلم يردْ فبه حرف ولم ينقص منه حرف.
٥ ﴿ولقد أرسلنا﴾ الخ.. هذه الجملة إبطال لاستهزاء المشركين بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على طريقة التمثيل بأشياعهم من الأمم السابقة.
٦ الشِيعَ: جمع شيعة، وهي الفرقة المتآلفة المتفقة الكلمة، وفيه قوله تعالى ﴿أو يلبسكم شيعا﴾ أي: فرقاً كل فرقة تتألف مع أفرادها، وتحارب عن مبادئها وأفكارها وما هي عليه من دين وعادة.
٧ تقديم الجار والمجرور (به) على فعل يستهزئون: لإفادة القصر للمبالغة أي: كأنهم لفساد قلوبهم لا شغل لهم إلا الاستهزاء برسول الله عز وجل.


الصفحة التالية
Icon