تتحرك أو تميد بأهلها فيهلكوا، ﴿وأنبتنا فيها في كل شيء موزون١﴾ أي مقدر معلوم المقدار لله تعالى. وقوله: ﴿وجعلنا لكم فيها معايش٢﴾ عليها تعيشون وهي أنواع الحبوب والثمار وغيرها، وقوله: ﴿ومن لستم له برازقين٣﴾ بل الله تعالى هو الذي يرزقه وإياكم من العبيد والإماء والبهائم. وقوله: ﴿وإن من شيء٤ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدرٍ معلوم﴾ أي ما من شيء نافع للبشرية هي في حاجة إليه لقوام حياتها عليه إلا عند الله خزائنه، ومن ذلك الأمطار، لكن ينزله بقدرٍ معلوم حسب حاجة المخلوقات وما تتوقف عليه مصالحها، وهو كقوله: ﴿بيده الخير وهو على كل شيء قدير﴾ وكقوله: ﴿ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما شاء الله إنه بعباده خبير بصير﴾ وقوله: ﴿وأرسلنا الرياح لواقح٥﴾ أي تلقح السحاب فتمتلىء ماء، ﴿فأنزلنا من السماء ماءاً﴾ بقدرتنا وتدبيرنا ﴿فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين﴾ أي لا تملكون خزائنه فتمنعونه من تشاءون وتعطونه من تشاءون بل الله تعالى هو المالك لذلك، فينزله على أرض قوم ويمنعه آخرين وقوله: ﴿إنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون، ولقد علمنا المستقدمين٦ منكم﴾ أي الذين ماتوا من لدن آدم ﴿ولقد علمنا المستأخرين﴾ ممن هم أحياء ومن لم يوجدوا وسيوجدون ويموتون إلى يوم القيامة، الجميع عَلِمَهُم الله، وغيره لا يعلم فلذا استحق العبادة وغيره لا يستحقها. وقوله ﴿وإن ربك﴾ أيها الرسول ﴿هو يحشرهم﴾ أي إليه يوم القيامة ليحاسبهم ويجازيهم، وهذا متوقفٌ على القدرة والحكمة والعلم، والذي أحياهم ثم أماتهم قادرٌ على إحيائهم مرةً أخرى والذي عَلِمهُمْ قبل خلقهم وعلمهم بعد خلقهم

١ قال: ﴿موزون﴾ : لأنّ الوزن يعرف به مقدار الشيء، والموزون من الكلام وغير الخالي من النقص والزيادة، والمراد أن ما أنبته الله تعالى في الأرض من سائر النباتات والمعادن من الذهب والفضة والنحاس والرصاص والقصدير حتى الزرنيخ والكحل كل ذلك يكال ويوزن.
٢ واحد المعايش: معيشة، وهي المطاعم والمشارب والملابس والمراكب أيضاً، إذ كل هذا يدخل تحت العيش حتى قيل: المعايش: إنها التصرف في أسباب الرزق مدّة الحياة.
٣ الرزق: بفتح الراء مصدر رزقه يرزقه رزقاً، والرّزق بكسر الراء فهو الاسم وهو القوت.
٤ أي: نافع للناس لا مطلق الأشياء التي لا نفع للناس فيها.
٥ في قوله: ﴿وأرسلنا الرياح لواقح﴾ استدلال بظاهرة كرة الهواء بين السماء والأرض بعد الاستدلال بالسماء والأرض، ولواقح حال من الرياح ولواقح صالح لأن يكون جمع لاقح، وهي الناقة الحبلى أو ملقح وهو الذي يجعل غير لاقحاً.
٦ ويدخل في معنى الآية المستقدمين في الطاعة والخير، والمستأخرين في المعصية والشر كما يدخل أيضاً المستقدمين في صفوف الحرب والصلاة، والمستأخرين في ذلك، والآية دليل على فضل السبق في الخير وعلى فضل الصف الأول في القتال والصلاة، وفي الحديث الصحيح: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا".


الصفحة التالية
Icon