من شأنه أن ينغص أو يكدر،. أصبحوا في المحبة لبعضهم بعضاً إخوانا يضمهم مجلس واحد يجلسون فيه على سررٍ متقابلين وجهاً لوجه، وإذا أرادوا الانصراف إلى قصورهم تدور بهم الأسرة فلا ينظر أحدهم إلى قفا أخيه. وقوله تعالى: ﴿لا يمسهم فيها نصبٌ وما هم منها بمخرجين﴾ فيه الإخبار بنعيمين: نعيم الراحة الأبدية إذ لا نصب ولا تعب في الجنة ونعيم البقاء والخلد فيها إذ هم لا يخرجون منها أبداً. وفي هذا تقرير لمُعْتَقَدِ البعث والجزاء بأبلغ عبارة وأوضحها. وقوله تعالى: ﴿نبىء عبادي١ أني أنا الغفور الرحيم﴾ أي خبر يا رسولنا عبادنا المؤمنين الموحدين أن ربهم غفور لهم إن عصوه وتابوا من معصيتهم. رحيم بهم فلا يعذبهم. ﴿وأن عذابي هو العذاب الأليم﴾ ونبئهم أيضاً أن عذابي هو العذاب الأليم فليحذروا معصيتي بالشرك بي، أو مخالفة أوامري وغشيان محارمي. وقوله تعالى: ﴿ونبئهم عن ضيف إبراهيم٢. إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما﴾ أي سلموا عليه فرد عليهم السلام وقدم لهم قِرَى الضيف وكان عجلاً حنيذاً، كما تقدم في هود وعرض عليهم الأكل فامتنعوا وهنا قال: ﴿إنا منكم وجلون٣﴾ أي خائفون، وكانوا جبريل وميكائيل وإسرافيل في صورةِ لشباب حسان. فلما أخبرهم بخوفه منهم، لأن العادة أن النازل على الإنسان إذا لم يأكل طعامه دل ذلك على أنه يريد به سوءً. ﴿قالوا لا توجل﴾ أي لا تخف، ﴿إنا نبشرك بغلامٍ عليم﴾ أي بولدٍ ذي علم كثير. فرد إبراهيم قائلاً بما أخبر تعالى عنه بقوله: ﴿قال أبشرتموني على أن مسني٤ الكبر فبم٥ تبشرون﴾ أي هذه البشارة بالولد على كبر سني أمر عجيب، فلما تعجب من البشارة وظهرت عليه علامات الشك والتردد في صحة الخبر قالوا له: ﴿بشرناك٦ بالحق فلا تكن من القانطين٧﴾ أي
٢ هم الملائكة الذين بشروه بالولد وبهلاك قوم لوط: هم جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام. والضيف: لفظ يطلق على الواحد والاثنين والجماعة.
٣ قال هذا بعد أن قرّب إليهم العجل المشوي ليأكلوا فلم يأكلوا.
٤ أن: مصدرية، والتقدير: على من الكبر إياي وزوجتي.
٥ الاستفهام للتعجب أو هو على حقيقة.
٦ أي: بما لا خلف فيه، وأن الولد لا بدّ منه.
٧ قراءة العامة: ﴿القانطين﴾، وقرىء القنطين بدون ألف، ويكون الفعل حينئذ من قنط يقنط كفرح يفرح فهو فرح، وعلى قراءة الجمهور فهو من باب فعل يفعل كضرب يضرب فهو ضارب.