شاق الأفعال وشاق التروك، إذ الهجرة والجهاد والزكاة أفعال، وترك الربا والزنا والخمر تروك ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ حيث ادعوا الإيمان ولما ابتلوا بالتكاليف لم يقوموا بها، فبان بذلك عدم صدقهم وإنهم كاذبون في دعواهم أنهم مؤمنون. وقوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا (١) ﴾ أي أظن ﴿يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ من الشرك والمعاصي ﴿أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ أي يفوتونا فلم نأخذهم بالعذاب. ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ به لأنفسهم أي قبح حكمهم هذا من حكم لفساده، إذ أقاموه على ظن منهم أن الله تعالى لا يقدر عليهم وهو على كل شيء قدير وأنه لا يعلمهم وهو بكل شيء عليم. وقوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ (٢) اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ﴾ أي ﴿مَنْ كَانَ﴾ يؤمن ويؤمل لقاء الله وذلك يوم القيامة فليعلم أن أجل الله المضروب لذلك لآت قطعا وعليه فليستعد للقائه بما يناسبه وهو الإيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والعمل الفاسد، ومن هنا دعوى المرء أنه يرجو لقاء ربه ولم يعمل صالحاً يثاب عليه، دعوى لا تصح قال تعالى في سورة الكهف ﴿.. فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ (١١٠) وقوله ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أي هو تعالى السميع لأقوال عباده العليم بنياتهم وأعمالهم، فدعوى الإيمان ظاهرة من العبد أو باطنة لا قيمة لها ما لم يقم صاحبها الدليل عليها وذلك بالإيمان الجهاد للعدو (٣) الظاهر والباطن. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ أي منفعة هذه العبادة عائدة على العبد نفسه أما الله عز وجل فهو في غنى عن عمل عباده غنىً مطلقاً وهذا ما دل عليه قوله: ﴿إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ الملائكة والإنس والجن وسائر المخلوقات إذ كل ما سوى الله تعالى عالم ويجمع على عوالم وعالمين (٤). وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ هذا وعد من الله تعالى لمن آمن من عباده وذلك على إيمانه وصالح عمله فعلاً وتركاً بأنه يكفر عنه سيئاته التي عملها قبل الإسلام وبعده. ومعنى يكفّرها عنهم يغطيها ويسترها ولم يطالبهم بها كأنهم لم يفعلوها. وقوله ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ﴾ أي على أعمالهم الصالحة ﴿أَحْسَنَ﴾ أي بأحسن عمل عملوه فتكون أعظم ما تكون مضاعفة. وهذا من تكرمه على عباده الصالحين ليجزي بالحسنة أضعافها مئات المرات.

١- قال ابن عباس: المراد بهم: الوليد بن المغيرة، وأبو جهل والأسود بن العاص بن هشام وشيبة وعتبة والوليد بن عتبة وعقبة بن أبي معيط وحنظلة بن أبي سفيان والعاص بن وائل.
٢ - قال القرطبي: أجمع أهل التفسير على أن المعنى من كان يخاف الموت فليعمل عملا صالحاً فإنه لا بد أن يأتيه.
٣ - المراد بجهاد العدو الظاهر الكفار والباطن النفسي.
٤ - جمع ملحق بمذكر سالم نحو: الحمد لله رب العالمين.


الصفحة التالية
Icon