الدار الآخرة. قال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا (١) ﴾ أي أولئك المنكرون للبعث، أيكذبون؟ ولم ينظروا كيف يبدئ الله الخلق أي خلق الإنسان، فإن ذلك دال على إعادته متى أراد الله الخالق ذلك، ثم هو تعالى يعيده متى شاء، ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ أي الخلق والإعادة بعد الفناء والبلى ﴿عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾ سهل لا يتعذر عليه أبدا.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ (٢) سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ أي قل يا رسولنا للمكذبين بالبعث الآخر ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ شرقاً وغرباً ﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ تعالى خلق تلك المخلوقات التي تشاهدونها من أرض، وسماء، وأنهار، وأشجار، وحيوان، وإنسان، إنها كلها كانت عدما فأنشأها الله تعالى ثم هو سيفنيها ﴿ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ (٣) ﴾ وذلك بأن يعيد حياة الإنسان ليحاسبه على كسبه في الدنيا ويجزيه به خيراً أو شراً، ﴿إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ (٤) قَدِيرٌ﴾ إذاً فلا يستنكر عليه إعادة الناس أحياء بعد نهاية هذه الحياة الدنيا ليحاسبهم ويجزيهم بما كانوا يعملون. وقوله تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ هذه فائدة وحكمة البعث الآخرة وهي المجازاة على العمل في هذه الحياة فيعذب أهل الكفر به وبرسوله والذين لم يزكوا أنفسهم بالإيمان وصالح الأعمال فيدخلهم في جهنم دار الشقاء والعذاب ويرحم أهل الإيمان والتقوى الذين زكوا أنفسهم بالإيمان والصالحات. وقوله: ﴿وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ أي إلى الله ربكم ترجعون بعد الموت والفناء وإنشاء النشأة الآخرة وقوله ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥) ﴾ أي الله تعالى ﴿فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾ بل أنتم مقهورون له خاضعون لسلطانه لا يمكنكم من الهروب منه ولا الخلاص بحال من الأحوال. وليس لكم من دونه تعالى ولي يتولاكم فيدفع عنكم العذاب ولا نصير ينصركم فلا تُغلبون ولا تعذبون وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ﴾ التي جاءت بها

١ - الاستفهام للإنكار والتوبيخ لهم على عدم استعمال عقولهم إذ ينكرون البعث وأمامهم صور منه دالة عليه فهو يبدئ الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبداً ويخلق المرء ثم يميته بعد أن يخلق منه ولداً ويخلق من الولد ولداً، وهكذا تتكرر عملية البعث أمامهم فما لهم لا يرونها؟!
٢ - هذا الأمر للإرشاد والتوجيه والنصح لو كانوا يعقلون.
٣ - أظهر اسم الجلالة بعد تقديم ذكر ضميره في قوله: (كيف بدأ الخلق) ليحرك ضمائرهم باسم الجلالة ويدفع بنفوسهم إلى التسليم بالنشأة الآخرة بعد التسليم بالنشأة الأولى وهي بدء الخلق.
٤ - الجملة تذييلية أعلن فيها عن قدرة الله الذي لا يعجزه شيء أراده: البدء كالإعادة سواء.
٥ - المعجزة: هو الذي يجعل غيره عاجزاً عن فعل ما وهو هنا كناية عن الغلبة والانقلاب، قرر بهذه الجملة عجزهم التام في الأرض التي هم يسكنونها، وحتى في السماء لو فرض أنهم يرقونها وما هم بأهل لذلك كما قال الأعشى:
فلو كنت في جبّ ثمانين قامة
ورقيت أسباب السماء بسلّم.


الصفحة التالية
Icon