تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ (١) نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ أي وهذه الأمثال نضربها للناس لأجل إيقاظهم وتبصيرهم وهدايتهم، ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ أي وما يدرك مغزاها وما تهدف إليه من التنفير من الشرك العائق عن كل كمال وإسعاد في الدارين ﴿إِلَّا الْعَالِمُونَ (٢) ﴾ أي بالله وشرائعه وأسرار كلامه وما تهدي إليه آياته. وقوله تعالى: ﴿خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ إخبار بأنه تعالى هو الذي خلق السموات والأرض وهي مظاهر قدرته وعلمه وحكمته موجبة لعبادته بتعظيمه وطاعته ومحبته والإنابة إليه والخوف منه. وخلقهما بالحق لا بالباطل وذلك من أجل أن يذكر فيهما ويشكر فمن كفر به فترك ذكره وشكره كان كمن عبث بالسموات والأرض وأفسدها، لذا يعذب نظراً إلى عظم جرمه عذاباً دائماً أبداً. وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي إن في خلق السموات (٣) والأرض بالحق ﴿لَآيَةً﴾ أي علامة بارزة على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته، وهذه موجبات ألوهيته على سائر عباده فهو الإله الحق الذي لا رب غيره ولا إله سواه. وبعد هذا البيان والبرهان لم يبق عذر لمعتذر، وعليه فـ ﴿اتْلُ (٤) ﴾ أيها الرسول ﴿مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ تعليماً وتذكيراً وتعبداً وتقرباً ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ﴾ طرفي النهار وزلفاً من الليل فإن في ذلك عوناً كبيراً لك على الصبر والثبات وزاداً عظيماً لرحلتك إلى الملكوت الأعلى. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى (٥) عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ تعليل للأمر بإقام الصلاة فإن الصلاة بما توجده من إشراقات النفس والقلب والعقل حال تحول بين العبد وبين التلوث بقاذورات الفواحش ومفاسد المنكر وذلك يفيد إقامتها لا مجرد أدائها والإتيان بها. وإقامة الصلاة تتمثل في الإخلاص فيها لله تعالى أولاً ثم بطهارة القلب من الالتفات إلى غير الرب تعالى أثناء أدائها ثانياً، ثم بأدائها في أوقاتها المحددة لها وفي المساجد بيوت الله، ومع جماعة المسلمين عباد الله وأوليائه، ثم بمراعاة أركانها من قراءة الفاتحة والركوع والطمأنينة فيه والاعتدال والطمأنينة فيه، والسجود على الجبهة والأنف والطمأنينة فيه، وآخر أركانها الخشوع وهو السكون ولين القلب وذرف الدمع. هذه هي الصلاة التي
٢ - عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه".
٣ - لفظ السموات والأرض: يشمل ذاتهما والموجودات المظروفة فيهما.
٤ - المراد من: (اتل) : مدوامة تلاوة ما أوحي إليه وهو القرآن الكريم.
٥ - قيل لابن عطية: إن حماداً وابن جريج والكلبي يقولون: الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ما دام العبد فيها. قال: هذه عجمة أي: نسبهم إلى قلة الفهم وهو كذلك للحديث وهو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" وقال له أحد الصحابة: إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق. فقال: سينهاه ما تقول. يعني صلاته.