أعدائه، وقوله ﴿وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ أي لم يجعل الله تعالى المرأة المظاهر منها أما لمن ظاهر منها كأن يقول لها أنت عليّ كظهر أمي وكان أهل الجاهلية يعدون الظهار محرّماً للزوجة كالأم فأبطل الله تعالى ذلك وبيّن حكمه في سورة المجادلة، وأن من ظاهر من امرأته يجب عليه كفارة: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا.
وقوله تعالى ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ (١) أَبْنَاءَكُمْ﴾ أي لم يجعل الله الدعيّ ابنا إذ كانوا في الجاهلية وفي صدر الإسلام يطلقون على المتبنى ابناً فيترتب على ذلك كامل حقوق البنوة من حرمة التزوج بامرأته إن طلقها أو مات عنها، وقوله ﴿ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ أي ما هو إلا نطق بالفم ولا حقيقة في الخارج له إذ قول الرجل للدعيّ أنت ولدي لم يصيّره ولده وقول الزوج لزوجته أنت كأمي لم تكن أما له. قوله تعالى ﴿وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ﴾ فلا يطلق على المظاهر منها لفظ أم، ولا على الدعيّ لفظ ابن، ﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ أي الأقوم والأرشد سبحانه لا إله إلا هو.
وقوله تعالى في الآية (٥) من هذا السياق ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ أي ادعوا الأدعياء لآبائهم أي انسبوهم لهم يا فلان بن فلان. فإن دعوتهم إلى آبائهم أقسط وأعدل في حكم الله وشرعه. ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ فادعوهم باسم الأخوة الإسلامية فقولوا هذا أخي في الإسلام ﴿وَمَوَالِيكُمْ﴾ أي بنو عمكم فادعوهم بذلك فقولوا يا ابن عمي وإن كان الدعي ممن حررتموه فقولوا له مولاي ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ أي إثم أو حرج ﴿فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ (٢) من قول أحدكم للدعي يا ابن فلان لمن ادعاه خطأ لسان بدون قصد، أو ظنا منكم أنه ابنه وهو في الواقع ليس ابنه ولكن الإثم في التعمد والقصد المعتمد، وقوله ﴿وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ أي غفورا لمن تاب رحيما لم يعاجل بالعقوبة من عصى لعله يتوب ويرجع.

١ - هذه الآية نزلت في شأن زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ تبناه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل البعثة النبوية، إذ كان عبداً رقيقاً لخديجة فأهدته لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولما جاء أبوه وعرفه طلبه فخيره رسول الله بين الذهاب مع والده والبقاء معه فاختار العبودية على الحرية فتبناه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصبح من يومئذ يعرف بزيد بن محمد حتى نزلت هذه الآية فأبطلت التبني ففي هذا نسخ للسنة بالكتاب.
٢ - أخذ عطاء وكثير من العلماء من السلف أخذوا من هذه الآية أنه لا مؤاخذة مع الخطأ من ذلك إذا حلف المرء ألا يسلم على فلان فسلم عليه وهو لا يظن أنه هو فإنه لا يحنث، أو حلف أن لا يفارق غريمه حتى يقضيه دينه فأعطاه دراهم فوجدها زيوفاً لا يحنث، وروى البخاري من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام، كما روي "ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلم إلا كفر".


الصفحة التالية
Icon