لكل عبد منيب: أي لكل مؤمن منيب إلى ربّه رجّاع إليه في أمره كله.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء إنه لما قررها تعالى في الآيات قبل أورد هنا ما يتقاوله المشركون بينهم في تهكم واستهزاء واستبعاد للحياة الآخرة. فقال تعالى حاكياً قولهم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وهم مشركو مكة أي بعضهم لبعض متعجبين ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ (١) عَلَى رَجُلٍ﴾ يعنون محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ أي يخبركم بأنكم إذا متم وتمزقت لحومكم وتكسرت عظامكم وذهبتم في الأرض تراباً تبعثون في خلق جديد بعد أن مزقتم كل ممزق (٢) أي كل التمزيق فلم يبق لكم شيء متصل ببعضه بعضاً. ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً﴾ أي (٣) محمد فكذب على الله هذا القول وزوره عنه وادعى أنه أخبره بوجود بعث جديد للناس بعد موتهم لحسابهم وجزائهم؟! أم به جنة أي مس من جنون فهي تخيل له صور البعث وما يجري فيه وهو يخبر به ويدعو إلى الإيمان به؟ وهنا رد الله تعالى عليهم كذبهم وباطلهم فقال ﴿بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٤) بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ﴾ أي ليس الأمر كما يقولون من أن النبي افترى على الله كذباً، أو به جنون فتخيل له بالبعث وإنما الأمر الثابت والواقع المقطوع به أن الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب يوم القيامة وفي الضلال البعيد اليوم في الدنيا وشؤمهم أتاهم من تكذيبهم بالآخرة.
ثم قال تعالى مهدداً لهم لعلهم يرتدعون عن التهجم والتهكم بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا﴾ أي أعموا فلم يروا إلى ما بين أيديهم (٥) وما خلفهم من السماء والأرض أفلم ينظروا كيف هم محاطون من فوقهم ومن تحتهم ومن أمامهم ومن ورائهم أي الأرض تحتهم والسماء فوقهم ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾ فيعودون فيها ﴿أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ (٦) كِسَفاً﴾ أي قطعا من السماء فتهلكهم عن آخرهم فلا يجدون مهربا والجواب لا، لأنهم مهما جروْا هاربين لا تزال السماء فوقهم والأرض تحتهم والله قاهر لهم متى شاء خسف بهم أو أسقط السماء عليهم. وقوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ

١ - الاستفهام مستعمل في العرض مثل: (فقل هل لك إلى أن تزكى) أي يعرض عليه ما هو صالح له. والاستفهام في الآية وإن كان للعرض فهو مكنى به عن التعجب أي هل ندلكم على أعجوبة وهي رجل ينبئكم بهذا النبأ.
٢ - التمزق والتفرق والتشتيت.
٣ - هذه الجملة (افترى) صفة ثابتة لرجل والصفة والصفة الأولى هي قوله ينبئكم.
٤ - في الجملة إدماج يصف به حالهم في الآخرة مع وصف حالهم في الدنيا إذ أخبر أنهم في الآخرة في العذاب وفي الدنيا في الضلال البعيد.
٥ - المراد بما بين أيديهم هو ما يستقبله الإنسان من الكائنات السماوية والأرضية، وبما خلفهم وهو ما وراء الإنسان من الكائنات الأرضية والسماوية.
٦ - قرأ نافع كسفاً بسكون السين وقرأ حفص بفتحها.


الصفحة التالية
Icon