وقوله تعالى ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (١) هذا مظهر عدالته تعالى فهو مع قدرته وقهره لعباده ذو عدل فيهم فلا يؤاخذ بغير جرم، ولا يحمل وزر نفس نفسا أخرى لم تذنب ولم تزر بل كل نفس تؤخذ بذنبها إن كانت مذنبة هذه عدالته تتجلى لعباده يوم يعرضون عليه في يوم كله هول وفزع يدل عليه قوله ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ (٢) ﴾ أي بذنوبها ﴿إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ﴾ (٣) من تدعوه ﴿ذَا قُرْبَى﴾ كالولد (٤) والبنت. وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ (٥) يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ﴾ أي إنما تنذر يا رسولنا ويقبل إنذارك وينتفع به من يخشون ربهم ويخافون عذابه بالغيب وأقاموا الصلاة، أما غيرهم من أهل الكفر والعناد والجحود فإنهم لا يقبلون إنذارك ولا ينتفعون به لظلمة جهلهم وكفرهم وقساوة قلوبهم، ومع هذا فأنذر ولا عليك في ذلك شيء فإن من تزكى بالإيمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي فإنما يتزكى لنفسه لا لك ولا لنا، ومن أبى فعليه إباؤه، وإلينا مصير الكل وسنجزي كلاً بما كسب من خير وشر. هذا ما دل عليه قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ﴾ (٦)
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان فقر العباد إلى ربهم وحاجتهم إليه وإزالة فقرهم وسد حاجتهم يكون باللجوء إليه والاطراح بين يديه يعبدونه ويسألونه.
٢- بيان عدالة الله تعالى يوم القيامة.
٣- بيان صعوبة الموقف في عرصات القيامة لا سيما عند وضع الميزان ووزن الأعمال.
٢ - وإن تدع مثقلة أي أحدا إلى حملها.
٣ - أي المدعو ذا قربى.
٤ - قال الفضيل بن عياض هي المرأة تلقى ولدها فتقول يا ولدي ألم يكن بطني لك وعاء، ألم يكن ثدي لك سقاء ألم يكن حجري لك وطاء؟ فيقول بلى يا أماه فتقول يا بني قد أثقلتني ذنوبي فاحمل عني منها ذنباً واحداً، فيقول إليك عني يا أماه فإني بذنبي عنك مشغول.
٥ - الجملة مستأنفة بيانياً لأن الحال تستدعي سؤالاً وهو لِم لَمْ يتأثر المشركون بالإنذار فالجواب إنما يقبل النذارة ويستجيب للمنذر أهل الإيمان والخشية لله تعالى لأنهم أحياء وأما الكافرون فهم أموات وهل يستجيب غير الحي؟ وفي الآية دليل على قوة تأثير الصلاة في تزكية النفوس وتطهير الأرواح.
٦ - هذه الجملة تذييل للجملة المذيل بها قبلها وهي قوله تعالى: ﴿ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه﴾ وهي تفيد تقرير البعث والجزاء وهما مما ينكر المشركون كما يفيد التسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتهديد للكافرين أيضاً فإن من صار إلى الله أخذه بذنبه.