إن أنت إلا نذير: ما أنت إلا منذر فلا تملك أكثر من الإنذار.
إنا أرسلناك بالحق: أي بالدين الحق والهدى والكتاب.
وإن من أمة إلا خلا فيها نذير: أي سلف فيها نبي ينذرها.
جاءتهم رسلهم بالبينات: أي بالحجج والأدلة الواضحة.
وبالزبر والكتاب المنير: أي وبالصحف كصحف إبراهيم وبالكتاب المنير كالتوراة والإنجيل.
فكيف كان نكير: أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك والجواب هو واقع موقعه والحمد لله.
معنى الآيات:
لما تقدم في السياق الكريم أن إنذار الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينتفع به إلا المؤمن المقيم للصلاة وأن الكافر المكذب الجاحد لا ينتفع به ذكر تعالى هنا مثلاً للكافر والمؤمن وأنهما لا يستويان فقال ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١) ﴾ فالأعمى الكافر والبصير المؤمن وهما لا يستويان في عقل ولا شرع ﴿وَلا الظُّلُمَاتُ (٢) وَلا النُّورُ﴾ أي ولا يستوي الظلمات ولا النور كما لا يستوي الكفر والإيمان ولا الظل ولا الحرور (٣)، فبرودة الجو، لا تستوي مع حرارته فكذلك الجنة لا تستوي مع النار، وقوله ﴿وما يستوي الأحياء ولا أموات﴾ أي ولا المؤمنون مع الكافرين كذلك وقوله تعالى ﴿إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ (٤) هذا شروع في تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجل ما يجد في نفسه من إعراض قومه وعدم استجابتهم لدعوته، فأخبره ربه بأنه تعالى قادر على أن يسمع من يشاء إسماعه وذلك لقدرته على خلقه أما أنت أيها الرسول فإنك لا تسمع الأموات وإنما تسمع الأحياء، والكفار شأنهم شأن الأموات في القبور فلا تقدر على إسماعهم. ولا يحزنك ذلك فإنك ما أنت إلا نذير، والنذير ينذر ولا يُسأل عمن أجابه ومن لم يجبه.
وقوله تعالى ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ بهذا الخبر يقرر تعالى رسالة رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً لمن آمن به واتبع هداه بالجنة، ونذيراً لمن كفر به وعصاه

١ - قال القرطبي الكافر والمؤمن والعالم والجاهل.
٢ - قيل لا زائدة في كل من قوله تعالى ولا الظل ولا الحرور ولا الأموات واختلف في أيهما يكون بالليل وأيهما يكون بالنهار الحرور أو السموم وفي حديث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيان ذلك وأن كلاهما يقع في النهار كما يقع في الليل إذ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فما تجدون من الحر فمن سمومها وشدة ما تجدون من البرد فمن زمهريرها.
٣ - قال قطرب أحد أعلام اللغة: الحرور: الحر والظل البرد.
٤ - قرأ الجمهور بتنوين بمسمعٍ بكسرة واحدة والمراد بمن في القبور الكفار حيث أمات الكفر قلوبهم أي كما لا تسمع من مات فإنك لا تسمع من مات قلبه بالجهل وظلمة الكفر.


الصفحة التالية
Icon