وإنما هو أن الظالمين وهم المشركون ما يعد بعضهم بعضاً وهو أن الآلهة ستشفع لنا وتقربنا إلى الله زلفى إلا غروراً وباطلاً فالرؤساء غرّوا المرءوسين وكذبوا عليهم بأن الآلهة تشفع لهم عند الله وتقربهم منه زلفى فلهذا عبدوها من دون الله وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ (١) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا﴾ يخبر تعالى عن عظيم قدرته ولطفه بعباده، ورحمته بهم وهي أنه تعالى يمسك السموات السبع والأرض أن تزولا أي تتحولا عن أماكنهما، إذ لو زالتا لخرب العالم في لحظات، وقوله: ﴿وَلَئِنْ زَالَتَا﴾ أي ولو زالتا ﴿إِنْ (٢) أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾ أي لا يقدر على ذلك إلا هو سبحانه وتعالى، وقوله إن كان حليما غفوراً إذ حلمه هو الذي غرّ الناس فعصوه، ولم يطيعوه، وأشركوا به ولم يوحدوه ومغفرته هي التي دعت الناس إلى التوبة إليه، والإنابة إلى توحيده وعبادته.
وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (٤٢) ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ يخبر تعالى عن المشركين العرب بأنهم في يوم من الأيام كانوا يحلفون بالله جهد أيمانهم أي غاية اجتهادهم فيها لئن جاءهم رسول يرشدهم ويعلمهم لكانوا أهدى أي أعظم هداية من إحدى الطائفتين اليهود والنصارى. هكذا كانوا يحلفون ولما جاءهم نذير (٣) أي الرسول وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما زادهم مجيئه ﴿إِلَّا نُفُوراً﴾ أي بعداً عن الدين ونفرة منه، واستكباراً في الأرض، ومكر السيء الذي هو عمل الشرك والظلم والمعاصي.
وقوله تعالى ﴿وَلا يَحِيقُ (٤) الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ إخبار منه تعالى بحقيقة يجهلها الناس وهي أن عاقبة المكر السيء تعود على الماكرين بأسوأ العقاب وأشد العذاب وقوله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ﴾ أي ينتظرون وهم مصرون على المكر السيء وهو الشرك ومحاربة الرسول وأذية المؤمنين. إلا سنة الأولين وهي إهلاك الماكرين الظالمين ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ﴾ أيها (٥)

١ - لما بين لهم عجز آلهتهم وعدم قدرتها على خلق شيء في السموات والأرض بين لهم أن خالقها وممسكها هو الله فلا يوجد شيء إلا بإيجاده ولا يبقى شيء إلا بإبقائه.
٢ - إن نافية بمعنى ما أي ما أمسكهما أحد سواه.
٣ - هذا كان منهم قبل البعثة النبوية فقد بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فلعنوا من كذب نبيه منهم وأقسموا بالله جل اسمه لئن جاءهم نذير أي نبي ليكونن أهدى من إحدى الأمم يعني ممن كذب الرسل من أهل الكتاب وكانوا يتمنون أن يكون منهم رسول فلما جاءهم ما تمنوه نفروا عنه ولم يؤمنوا به.
٤ - حاق به: أحاط والحوق الإحاطة روي أن كعباً قال لابن عباس إني أجد في التوراة: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. فقال ابن عباس فإني وجدت في القرآن ذلك قال وأين؟ قال اقرأ ﴿ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله﴾ ومن أمثال العرب: من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً" وجملة لا يحيق المكر السيء إلا بأهله تذييل لما سبق وتحمل موعظة.
٥ - السنة الطريقة والجمع سنن.


الصفحة التالية
Icon