قال تعالى ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ وهي نفخة إسرافيل في الصور وهي نفخة الفناء ﴿تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (١) ﴾ أي يختصمون في أسواقهم يبيعون ويشترون، وفي مجالسهم العامة والخاصة إذ تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون قال تعالى ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ يوصي بها أحدهم لابنه أو أخيه، ولا إلى أهلهم أي منازلهم وأزواجهم وأولادهم يرجعون بل يصعقون في أماكنهم. وقوله تعالى ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ أي صور إسرفيل وهو قرن ويقال له البوق أيضاً نفخة البعث من القبور أحياء فإذا هم من الأجداث جمع جدث وهو القبر ينسلون (٢) أي ماشين مسرعين إلى ربهم لفصل القضاء والحكم بينهم فيما اختلفوا فيه في هذه الحياة الدنيا من إيمان وكفر وإحسان وإساءة وعدل وظلم. قالوا يا ويلنا أي نادوا ويلهم وهلاكهم لما شاهدوا من أهوال الموقف ﴿مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا (٣) ﴾ وأجابهم المؤمنون بقولهم ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ إذ وعدنا الله بلقائه وأخبرنا الرسل به وبتفاصيله وقوله تعالى ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ أي ما هي إلا صحية واحدة لإسرافيل فإذا الكل واقف بين يدي الله تعالى ليحاسب ويجزي قال تعالى ﴿فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾ أي في هذا اليوم الذي وقفت الخليقة فيه بين يدي ربها لا تظلم نفس شيئا لا بنقص حسنة من حسناتها ولا بزيادة سيئة على سيئاتها. ولا تجزون أيها العباد إلا ما كنتم تعملون من خير وشر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان علو الكافرين وطغيانهم وسخريتهم واستهزائهم، وذلك لظلمة الكفر على قلوبهم.
٢- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مبادئها ونهاياتها.
٣- الساعة لا تأتي إلا بغتة.
٤- الانقلاب الكوني الذي يحدث لعظمه اختلفت آراء أهل العلم في تحديد النفخات فيه

١ - يخصمون بمعنى يختصمون في أمور دنياهم فيموتون في أماكنهم وقد أدغمت التاء في الصاد فنتج عن ذلك قراءات أشهرها قراءة نافع يخصّمون بفتح الخاء وكسر الصاد مشددة وقرأ حفص يخصّمون بكسر الخاء والصاد المشددة وقرأ قالون يخصمون بسكون الخاء مع الاختلاس.
٢ - قال ابن عباس وقتادة ينسلون يخرجون ومنه قول امرؤ القيس "فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي" ومنه قيل للولد نسل لأنه يخرج من بطن أمه وقيل يسرعون، والنسلان والقسلان الإسراع في السير ومنه مشية الذئب قال:
عسلان الذئب أمسى قارباً
برد الليل عليه فنسل
٣ - جائز أن يكون هذا ما وعد الرحمن الخ من كلامهم لما يجدون أنفسهم واقفين أحياء قد خرجوا من قبورهم صرّحوا بالحقيقة التي كانوا يكذبون بها فاعترفوا قائلين: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، وجائز أن يقال لهم كما في التفسير، فإن قلنا بالقول الأول لا يصح الوقف على من مرقدنا، وإن قلنا بالقول المثبت في التفسير صح الوقف ويصبح هذا ما وعد الرحمن كلاماً مستأنفاً.


الصفحة التالية
Icon