أهل مجلسه ﴿هَلْ أَنْتُمْ (١) مُطَّلِعُونَ﴾ أي معي على أهل النار لنرى صاحبي فيها ونسأله عن حاله فكأنهم أبوا عليه ذلك وأبوا أن يطلعوا أما هو فقد اطّلع فرآه في سواء الجحيم أي في وسطها (٢)، وقال له ما أخبر به تعالى عنه في قوله ﴿قَالَ تَاللهِ﴾ أي والله ﴿إِنْ كِدْتَ (٣) لَتُرْدِينِ﴾ أي تهلكني لما كنت تنكر عليّ الإيمان بالبعث وتسخر مني وتشمت بي لإيماني وعملي الصالح الذي كنت أرجو ثوابه وهو حاصل الآن وقال أيضا ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي﴾ عليّ بالعصمة والحفظ لكنت من المحضرين الآن في جهنم معك. ثم قال له ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى﴾ والاستفهام تقريري فهو يقرره ليقول نعم (٤) مخلدون نحن في الجنة وأنتم في النار. ثم قال إن هذا أي الخلود في دار النعيم ﴿لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ إذ كان نجاة من النار وهي أعظم مرهوب مخوف، ودخولا للجنة دار السلام والنعيم المقيم. قال تعالى ﴿لِمِثْلِ هَذَا﴾ أي هذا الفوز العظيم بالنجاة من النار والخلود في دار الأبرار ﴿فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ أي فليواصلوا عملهم وليخلصوا فيه لله رب العالمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان عظمة الله تعالى في إقدار المؤمن على أن يتكلم مع من هو في وسط الجحيم ويرى صورته ويتخاطب معه ويفهم بعضهم بعضا، والعرض التلفازي اليوم قد سهل إدراك هذه الحقيقة.
٢- التحذير من قرناء السوء كالشباب الملحد وغيره.
٣- بيان كيف كان المكذبون يسخرون من المؤمنين ويعدونهم متخلفين عقلياً.
٤- لا موت في الآخرة (٥) وإنما حياة أبدية في النعيم أو في الجحيم.
٥- الحث على كثرة الأعمال الصالحة، والبعد عن الأعمال الفاسدة.
٢ - قال ابن مسعود رضي الله عنه يقال تعبت حتى انقطع سوائي أي وسطي وقال بعض العلماء، لولا أن الله عرفه إياه لما عرفه إذ تغير حبره وسبره أي اللون والهيئة.
٣ - إن كدت إن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير ثان محذوف واللام في لتردين هي الدالة على أن إن ليست نافية ولذا تسمى باللام الفارقة.
٤ - وجائز أن يكون هذا القول موجهاً إلى أصحاب الأرائك أهل النعيم بعد أن فرغ المؤمن من الحديث مع قرينه في سواء الجحيم قال لرفاقه في النعيم مقرراً أفما نحن بميتين... الآية. والسياق يساعد على جواز هذا.
٥ - قيل لأحد الحكماء: ما شر من الموت؟ قال الذي يتمنى فيه الموت وقال الشاعر:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكن أمانيا
وكون لا موت في الآخرة صح فيه الحديث إذ يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ويذبح بين الجنة والنار وينادي مناد يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت.