وإضلاله فقال تعالى لرسوله استفتهم أي استخبرهم موبخا لهم مقرّعا قائلاً لهم ﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ أي أما تخجلون عندما تنسبون لكم الأسنى والأشرف وهو البنون، وتجعلون لله الأخس والأدنى وهو البنات وقوله تعالى ﴿أَمْ (١) خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ أي حضروا يوم خلقنا الملائكة فعرفوا بذلك أنهم إناث، والجواب لا إنهم لم يشهدوا خلقهم إذاً فلم يكذبون وقوله تعالى ﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أي ألا إن هؤلاء المشركين الضالين من كذبهم الذي عاشوا عليه واعتادوه يقولون ولد الله وذلك بقولهم الملائكة بنات الله، وإنهم ورب العزة لكاذبون في قيلهم هذا الذي هو صورة لأفكهم الذي يعيشون عليه. وقوله تعالى ﴿أَصْطَفَى (٢) الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ﴾ هذا توبيخ لهم وتقريع أصطفى أي هل الله اختار البنات على البنين فلذا جعلهم إناثاً كما تزعمون. مالكم كيف (٣) تحكمون هذا الحكم الباطل الفاسد. أفلا تذكرون (٤) فتذكروا أن الله منزه عن الصاحبة والولد أم لكم سلطان مبين أي ألكم حجة قوية تثبت دعواكم والحجة القوية تكون بوحي من الله في كتاب أنزله يخبر فيه بما تقولون إذاً ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ﴾ الذي فيه ما تدعون ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في زعمكم.
ومن أين لكم الكتاب، وقد كفرتم بكتابكم الذي نزل لهدايتكم وهو القرآن الكريم. وهكذا أبطل الله هذه الفرية بأقوى الحجج. وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ﴾ أي بين الله تعالى ﴿وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً﴾ (٥) بقولهم أصهر الله تعالى إلى الجن فتزوج سروات الجن إذ سألهم أبو بكر: من أمهات الملائكة فقالوا سروات الجن وقوله تعالى ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (٦) ﴾ أي في العذاب، فكيف يكون لهم نسب ويعذبهم الله بالنار. فالنسيب يكرم نسيبه لا يعذبه بالنار، وبذلك بطلت هذه الفرية الممقوتة، فنزه الله تعالى نفسه عن مثل هذه الترهات والأباطيل فقال ﴿سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾. ﴿إِلَّا (٧) عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ أي فإنهم لا يصفون ربهم بمثل هذه النقائص التي هي من صفات العباد العجزة المفتقرين إلى الزوجة والولد أما رب كل شيء ومالكه وخالقه فلا يقبل
٢ - أصطفى. الهمزة للاستفهام وهمزة الوصل محذوفة والاستفهام للإنكار والتوبيخ والتقريع واصطفى بمعنى اختار البنات على البنين وقرأ الجمهور بهمزة القطع للاستفهام وقرأ بعض بهمزة الوصل دون همزة القطع إلا أنها منوية.
٣ - ما لكم ما اسم استفهام عن ذات وهي مبتدأ ولكم خبر، والمعنى: أي شيء حصل لكم؟.
٤ - أفلا تذكرون قرأ نافع تذكرون بتشديد الدال والكاف معاً إذ الأصل تتذكرون فأدغمت إحدى التائين في الذال. وقرأ حفص تذكرون بتخفيف الذال لحذف التاء الثانية والاستفهام إنكاري.
٥ - النسب القرابة العمودية بالآباء والأمهات والأفقية كالإخوان والأعمام والمعنى ذوي النسب لله تعالى وهو نسب البنوة لزعمهم أن الملائكة بنات الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
٦ - المحضرون المجلوبون للحضور، والمراد المحضرون للعقاب والعذاب.
٧ - الاستثناء منقطع وجائز أن يكون من الحضور للعقاب فإن عباد الله لا يحضرون للعقاب ولا يعاقبون وجائز أن يكون منقطع من سبحان الله عما يصفون فإن عباد الله لا يصفون الله بالنقائص كما في التفسير وهو أولى من الأول.