والطير محشورة: أي والطيور مجموعة.
وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب: أي وأعطينا داود الحكمة. وهي الإصابة في الأمور والسداد فيها وفصل الخطاب: الفقه (١) في القضاء ومن ذلك البينة على المدّعي واليمين على من أنكر.
معنى الآيات:
السياق الكريم في تسلية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتهديد المشركين علهم يتوبون إلى الله ويرجعون قال تعالى ﴿كَذَّبَتْ (٢) قَبْلَهُمْ﴾ أي قبل قومك يا محمد ﴿قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ﴾ أي (٣) صاحب الأوتاد التي كان يشد إليها من أراد تعذيبه ويعذبه عليها كأعواد المشانق، ﴿وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْأَيْكَةِ﴾ أي الغيضة وهي الشجر الملتف وهم قوم شعيب ﴿أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ﴾ أي الطوائف الكافرة الهالكة ﴿إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ أي ما كل واحدة منها إلا كذبت الرسل ﴿فَحَقَّ عِقَابِ﴾ أي وجب عقابي لهم فعاقبتهم، وما ينظر هؤلاء من قومك ﴿إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ (٤) أي من فتور ولا انقطاع حتى يهلك كل شيء ولا يبقى إلا وجه الله ذو الجلال والإكرام. وقوله تعالى ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا (٥) قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ قالوا هذا لما نزل ﴿فأما من أوتي كتابه بيمنه﴾ الآيات من سورة الحاقة. قال غلاة الكافرين كأبي جهل وغيره استهزاءً، ربنا عجل لنا قطنا أي كتابنا لنرى ما فيه من حسنات وسيئات قبل يوم القيامة والحساب والجزاء وهم لا يؤمنون ببعث ولا جزاء، وإنما قالوا هذا استهزاء وعناداً أو مكابرة فلذا قال تعالى لرسوله ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ (٦) ﴾ أي القوة في دين (٧) الله ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ أي رجاع إلى الله تعالى

١ - صورة من فصل الخطاب الذي هو الفقه والبصيرة في القضاء روي أن ابن أبي ليلى جلد امرأة مجنونة قذفت رجلاً فقالت له يا ابن الزانيين جلدها وهي قائمة في المسجد فبلغ ذلك أبا حنيفة فقال أخطأ ابن أبي ليلى من ستة وجوه وهي: ١- المجنون لا حد عليه لأنه غير مكلف. ٢- إن كان القذف حقاً لله تعالى فلا يقام على القاذف إلا حداً واحد كما هو مذهب أبي حنيفة. ٣- أقام الحد بدون مطالبة المقذوف به. ٤- إنه والى بين الحدين والواجب أن يفرق بينهما. ٥- أنه حدها قائمة والمرأة تحد جالسة مستورة. ٦- أنه أقام الحد في المسجد والإجماع أن الحدود لا تقام في المساجد.
٢ - مفعول كذبت محذوف سيدل عليه ما يأتي من قوله: ﴿إن كل إلا كذب الرسل﴾ فالمفعول المحذوف هو الرسل والجملة بيان لسابقتها تحمل التسلية والعزاء للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣ - جائز أن يكون المراد بالأوتاد القوة والبطش أو الأهرام لأنها بناء راسخ في الأرض كالأوتاد جمع وتد بكسر التاء وهو عود غليظ له رأس مفلطح يدق في الأرض ليشد به ظنب الخيمة أو حبالها قال الشاعر:
والبيت لا يبنى إلا على عمد
ولا عماد إذا لم تُرْسَ أوتاد
٤ - الفواق اسم للزمن الذي بين الحلبتين والرضعتين إذ الحالب يجلب الناقة ثم يترك ولدها يرضعها حتى تدر اللبن ثم يبعده ويحلبها مرة ثانية فالفواق هو ما بين الحلبتين والرضعتين.
٥ - القط: هو القسط من الشيء ويطلق كما هنا على قطعة الورق أو ما يكتب عليه العطاء لأحد يسمى بالصك.
٦ - الأيد ليست جمع يد إنما المراد بها القوة والشدة وهو مصدر آد يئيد أيداً. إذا قوى واشتد ومنه التأييد الذي هو التقوية. قال تعالى ﴿فآواكم وأيدكم بنصره﴾.
٧ - شاهده قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى وإنه كان أواباً" "في الصحيحين".


الصفحة التالية
Icon