هو الله الواحد القهار: أي المعبود الحق الواحد الذي لا شريك له في ملكه وسلطانه القهار لخلقه.
معنى الآيات:
﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ (١) مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ يخبر تعالى أن تنزيل القرآن كان منه سبحانه وتعالى وهو العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبير خلقه. ولم يكن عن غيره بحال من الأحوال وقوله تعالى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ (٢) يخبر تعالى رسوله بقوله ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ (٣) ﴾ أي القرآن العظيم ﴿بِالْحَقِّ﴾ في كل ما جاء فيه ودعا إليه من العقائد والعبادات والأحكام وعليه ﴿فَاعْبُدِ (٤) اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾ أي العبادة فلا تعبد معه غيره فإن العبادة لا تصلح لغيره أبداً ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ (٥) ﴾ أي شركاء يعبدونهم ويقولون ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ أي تقريبا ويشفعوا لنا عند الله في قضاء حوائجنا هؤلاء يحكم الله بينهم في ما هم فيه مختلفون مع المؤمنين الموحدين وذلك يوم القيامة وسيجزي بعدله كلا بما يستحقه من إنعام وتكريم أو شقاء وتعذيب. وقوله تعالى ﴿إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ يخبر تعالى بحرمان أناس من هدايته وهم الذين توغلوا في الفساد فكذبوا على الله تعالى وعلى عباده وأصبح الكذب وصفاً لازماً لهم، وكفروا وبالغوا في الكفر بالله وآياته ورسوله ولقائه فأصبح الكفر وصفاً ثابتاً لهم، إذ هذه سنته في حرمان العبد من الهداية ليمضي فيه حكم الله بإشقائه وتعذيبه يوم القيامة. وقوله تعالى ﴿لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً﴾ كما يزعم المشركون الذين قالوا الملائكة بنات الله، وكما قال النصارى المسيح ابن الله، وكما قال اليهود عزير ابن الله، ولو أراد الله أن يكون له ولد لاصطفى واختار مما يخلق ما يشاء، ولا يتركهم ينسبون إليه الولد افتراء عليه وكذباً، ولكنه تعالى منزه عن صفات المحدثين وافتقار المخلوقين إذ هو الله ذو الألوهية على سائر خلقه الواحد الذي لا شريك له في ملكه وسلطانه وحكمه القهار لسائر خلقه فسبحانه لا إله غيره ولا رب سواه.
٢ - بالحق الباء للملابسة أي ملابساً للحق فلا باطل معه.
٣ - فيه تقرير نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والإعلان عن شرفه بإنزال الكتاب عليه.
٤ - الفاء للتفريع، أي فبناء على إنزالنا عليك الكتاب فاعبد الله، ومخلصاً حال، والدين العبادة، وإخلاص العبادة تجريدها من الالتفات إلى غير الله تعالى لطلب مدح أو نفع أو دفع مكروه أو اتقاء ذم.
٥ - ألا لله الدين الخالص افتتاح الجملة بألا للتنبيه على شرف ما دخلت عليه والتنويه به. اللام في لله للملك والاستحقاق وفي الآية دليل على وجوب الإخلاص في العبادة ووجوب النية فيها ولا عبادة بدون نية صحيحة ولا يضر النية الخاطر يخطر بالقلب لا يملك المرء دفعه.