وقوله تعالى في الآية الثانية من هذا السياق (٤٢) :﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ (١) ﴾ أي يقبض أرواحها ﴿حِينَ مَوْتِهَا﴾ أي عند نهاية أجلها فيأمر تعالى ملك الموت فيخرج الروح بإذن الله ويقبضها، ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ أي يقبضها بمعنى يحبسها عن التصرف، حال النوم، فإن أراد موتها قبضها ولم يردها إلى جسدها، وإن لم يرد وفاتها أرسلها فتعود إلى الجسد ويعيش صاحبها إلى الأجل المسمى له وهي (٢) نهاية عمره إن في ذلك القبض للروح والإرسال، والوفاة والإحياء لآيات أي دلائل وحجج كلها قاضية بأن القادر على هذا قادر على البعث والنشور الذي كذب به المشركون كما ن صاحب هذه القدرة العظيمة هو صاحب الحق المطلق في الطاعة والعبادة ولا تنبغي العبادة إلا له. وقوله ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ وهم الأحياء بالإيمان أما الأموات وهم الكافرون فلا يجدون في ذلك آية ولا دليلاً لموتهم بالشرك والكفر.
وقوله تعالى في الآية الثالثة (٤٣) :﴿أَمِ اتَّخَذُوا (٣) مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ﴾ أي بل اتخذ المشركون الذين كان المفروض فيهم أن يهتدوا على الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة لو كانوا يتفكرون بدل أن يهتدوا إلى توحيد الله اتخذوا من دونه أوثاناً سموها شفعاء يرجون شفاعتها لدى الله في قضاء حوائجهم. وذلك لجهلهم وسخف عقولهم. قال تعالى لرسوله: ﴿قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ﴾ أي قل لهم أيشفعون لكم ولو كانوا لا يملكون شيئا من أسباب الشفاعة ومقتضياتها ولو كانوا لا يعقلون معنى الشفاعة ولا يفهمونه لأنهم أصنام وأحجار والاستفهام للتبكيت والتقريع. لو كان القوم يشعرون. ثم أمر تعالى رسوله أن يعلن عن الحقيقة وإن كانت عند المشركين مُرة ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً﴾ أي جميع أنواع الشفاعة هي ملك لله مختصة به فلا يشفع أحد إلا بإذنه، إذاً فاطلبوا الشفاعة من مالكها الذي له ملك السموات والأرض، لا ممن هو مملوك له، ولا يعقل حتى معنى الشفاعة ولا يفهمها وقوله ثم
٢ - شاهد هذا من السنة حديث الصحيحين وفيه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض بداخله إزاره فإنه لا يدري من خلفه عليه ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين. والشاهد في أمساك الروح في المنام وإرسالها.
٣ - أم هذه هي المنقطعة وهي للإضراب الانتقالي وهو انتقال من تشنيع شركهم إلى إبطال معاذيرهم في شركهم.