الإشارة بتلك أو بذلك، وهي أن القرآن المعجز الذي تحدى به مُنَزله عز وجل الإنس والجن قد تألف من مثل هذه الحروف العربية فألفوا أيها العرب مثله سورة فأكثر فإن عجزتم فآمنوا أنه كلام الله ووحيه واعملوا بما فيه ويدعو إليه.
وقوله ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ (١) ﴾ أي المؤلفة من مثل هذه الحروف آيات القرآن ﴿وَكِتَابٍ مُبِينٍ (٢) ﴾ أي مبين لكل ما يحتاج إلى بيانه من الحق والشرع في كل شؤون الحياة.
وقوله ﴿هُدىً وَبُشْرَى (٣) لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي هادٍ إلى الصراط المستقيم الذي يفضي بسالكه إلى السعادة والكمال في الدارين، ﴿وَبُشْرَى﴾ أي بشارة عظمى للمؤمنين أي بالله ولقائه والرسول وما جاء به، ﴿الَّذِينَ (٤) يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ بأدائها في أوقاتها في بيوت الله تعالى مستوفاة الشروط والأركان والواجبات والسنن والآداب ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ عند وجوبها عليهم ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ﴾ أي بالدار الآخرة ﴿هُمْ يُوقِنُونَ﴾ بوجودها والمصير إليها، وبما فيها من حساب وجزاء.
وقوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ أي بالبعث والجزاء ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي حببناها إليهم حتى يأتوها وهي أعمال شر وفساد، وذلك حسب سنتنا فيمن أنكر البعث وأصبح لا يرهب حسابا ولا يخاف عقابا انغمس في الرذائل والشهوات وأصبح لا يرعوي عن قبيح ﴿فَهُمْ﴾ لذلك ﴿يَعْمَهُونَ﴾ في سلوكهم يتخبطون لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا.
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ أي في الدنيا بالأسر والقتل، وهم في الآخرة (٥) هم الأكثر خساراً من سائر أهل النار أي أشد عذابا.

١- عرّف الكتاب ونكّر القرآن وهما في معنى المعرفة كما يقال: فلان رجل عاقل، وفلان الرجل العاقل، والكتاب هو القرآن فجُمع له صفتان تفخيما وتعظيما فهو قرآن وهو كتاب، والكتاب: علم على القرآن بالغلبة، والقرآن علم بالنقل.
٢- (مبين) إن كان من أبان اللازم فهو بمعنى بان أي: فهو ظاهر واضح بيّن في نفسه وفي هذا تنويه وتشريف له، وإن كان من أبان المتعدي فهو مبيّن لما أريد منه من أركان العقيدة وأنواع العبادات وأحكام الشريعة وآدابها.
٣- هدى وبشرى: حال، والإعراب مقدر أشار إلى القرآن حال كونه هادياً ومبشراً للمؤمنين به العاملين بما فيه من الشرائع والأحكام والآداب والأخلاق.
٤- الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة الموصول وصلته وما عطف عليه نعت للمؤمنين وصفٌ لهم بما تضمنه لفظ الهدى، وجملة: ﴿وهم بالآخرة هم يوقنون﴾ معطوفة على صلة الموصول فهي نعت ثانٍ للمؤمنين الذين هدوا بالقرآن.
٥- قوله تعالى: ﴿إن الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ هذه الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها واقعة موقع جواب عن سؤال تقديرهُ: إذا كان القرآن هاديا ومبشراً فما للذين لا يؤمنون بالآخرة لم يهتدوا؟ فالجواب: إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زيّن الله لهم أعمالهم لذا فهم لا يهتدون، وتزيين الأعمال قائم على سنة من سنن الله تعالى وهي أنّ من رفض الحق وآثر الباطل عليه وأصرّ على اختيار الباطل يحرم الهداية فلا يقبلها ممن جاءه بها كالقرآن والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


الصفحة التالية
Icon