وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ (١) فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٢) ﴾ أي بلى في جهنم مأوى ومستقر للمتكبرين الذين تكبروا عن الإيمان والعبادة. وقوله تعالى: ﴿وَيُنَجِّي اللهُ﴾ أي تلك حال وهذه أخرى وهي أن الله تعالى ينجي يوم القيامة الذين اتقوا الشرك والمعاصي بالإيمان والطاعة هؤلاء بفوزهم بالجنة لا يمسهم السوء في عرصات القيامة، ولا هم يحزنون على ما خلَّفوا وراءهم في الدنيا لأن ما نالهم من نعيم الجنة أنساهم ما تركوا وراءهم وقوله تعالى: ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي ما من كائن سوى الله تعالى إلا وهو مخلوق والله خالقه ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ أي قيم حافظ، فسبحانه ما أعظم قدرته وما أوسع علمه فلذا وجبت له العبادة ولم تجز فضلاً عن أن تجب لسواه.
وقوله تعالى: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (٣) ﴾ أي له ملكاً حقاً مفاتيح خزائن الرحمات والخيرات والبركات فهو يفتح ما يشاء ويمسك ما يشاء فلا يصح الطلب إلا منه ولا تجوز الرغبة إلا فيه وما عبد الناس الأوثان والأصنام إلا رغبة ورهبة فلو علموا أن رهبتهم لا تكون إلا من الذي يقدر على كل شيء وأن رغبتهم لا تكون إلا في الذي بيده كل شيء لو علموا هذا ما عبدوا غير الله تعالى بحال.
وقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ﴾ الحاوية لإيمانه وصفاته وبيان محابه ومكارهه وحدوده وشرائعه ولذا من كفر بآيات الله فلم يؤمن بها ولم يعمل بما فيها خسر خسراناً مبيناً بحيث يخسر يوم القيامة نفسه وأهله، وذلك هو الخسران المبين.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ﴾ الآية هذا ردّ على المشركين الذين طلبوا من الرسول أن يعترف بآلهتهم ويرضى بها مقابل أن يعترفوا له بما جاء به ويدعو إليه فأمر تعالى أن يفاصلهم بقوله: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ (٤) اللهِ تَأْمُرُونِّي (٥) أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ لن يكون هذا مني أبداً كيف أعبد غير الله وهو
٢ - التكبر شدة الكبر وهو إظهار المرء التعاظم على غيره لأنه يعد نفسه عظيما وفي التنديد به من حديث مسلم "إن الله لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر"
٣ - المقاليد جمع إقليد وجمع على غير قياس والمراد مفاتيح خزائن السماء والأرض حيث أرزاق العباد وما به تقوم حياتهم، من أمطار وزروع وضروع ومعادن وغيرها.
٤ - غير منصوب بأعبد، وأعبد مرفوع لحذف أن مع حرف الجر إذ الأصل بأن أعبد فلما حذف الناصب ارتفع الفعل. هذا على رأي كثير من النحاة والجمهور يقولون لا حذف وأعبد هو المستفهم عنه، وتأمروني اعتراض أو حال وتقدير الكلام أأعبد غير الله لكونكم تأمروني بذلك.
٥ - قرأ نافع تأمرون بنون واحدة مخففة بحذف إحدى النونين، وقرأ حفص والجمهور تأمروني بتشديد النون إدغاماً لإحدى النونين في الأخرى وفي جملة أيها الجاهلون تقريع لهم ووصف لهم بالجهل وهو وصف مذموم.