بألسنتهم ولا يطيعونه بجوارحهم، وذلك لاستيلاء الشيطان والغفلة عليهم ثم واصل تعريف نفسه لهم ليؤمنوا به بعد معرفته ويكفروا بالآلهة العمياء الصماء التي هم عاكفون عليها صباح مساء فقال جل من قائل: ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ﴾ (١) الذي عرفكم نفسه ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ أي لا معبود بحق إلا هو. وقوله: ﴿فَأَنَّى (٢) تُؤْفَكُونَ﴾ أي كيف تصرفون عنه وهو ربكم والمنعم عليكم، إلا أوثان وأوثان وأصنام لا تنفعكم ولا تضركم. فسبحان الله كيف تؤفكون كذلك يؤفك أي كانصرافكم أنتم عن الإيمان والتوحيد مع وفرة الأدلة وقوة الحجج يصرف أيضاً الذين كانوا بآيات الله يجحدون في كل زمان ومكان لأن الآيات الإلهية حجج وبراهين فالمكذب بها سيكذب بكل شيء حتى بنفسه والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان حقيقة هي أن الضدين لا يجتمعان فالكفر والإيمان، والإحسان والإساءة والعمى والبصر والصمم والسمع هذه كلها لا تستوي بعضها ببعض فمحاولة الجمع بينها محاولة باطلة ولا تنبغي.
٢- قرب الساعة مع تحتم مجيئها والأدلة على ذلك العقلية والنقلية كثيرة جداً.
٣- فضل الدعاء وقد ورد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع (٣) نعله. وللدعاء المستجاب شروط منها: أن يكون القلب متعلقا بالله معرضاً عما سواه وأن لا يسأل ما فيه إثم، ولا يتعدى في الدعاء فيسأل ما لم تجر سنة الله به كأن يسأل أن يرى الجنة يقظة أو أن يعود شاباً وهو شيخ كبير أو أن يرزق الولد وهو لا يتزوج.
٤- الدعاء (٤) هو العبادة ولذا من دعا غير الله فقد أشرك بالله.
٥- بيان إنعام الله وإفضاله والمطالبة بشكر الله تعالى بحمده والثناء عليه وبطاعته بفعل محابه وترك مكارهه.

١- الإشارة إلى اسم الجلالة في قوله ﴿الله الذي جعل لكم﴾ الخ.
٢- أنى اسم استفهام عن الكيفية وأصله استفهام عن المكان ثم نقل إلى الحالة.
٣- تقدم تخريجه وأنه من سنن الترمذي وأنه صحيح الإسناد وشسع النعل: زمام النعل بين الإصبع الوسطى والتي تليها يضرب به المثل في الفاقة يقال لا يملك شسع نعل.
٤- روي بإسناد لا بأس به "من لم يسأل الله يغضب عليه ومن لم يدع الله غضب عليه" أيضا حسنهما ابن كثير في تفسيره.


الصفحة التالية
Icon