وفي آذاننا وقر: أي ثقل فلم نطق السمع.
ومن بيننا وبينك حجاب: أي مانع وفاصل بيننا فلا نسمع ما تقول ولا نرى ما تفعل.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿حم﴾ هذا أحد الحروف المقطعة وتفسيره أن يقال فيه وفي أمثاله من الحروف المقطعة الله أعلم بمراده به. وقد ذكرنا ما أثرنا عن أهل العلم فائدتين هامتين لمثل هذه الحروف المقطعة في أول سورة غافر، وفي العديد من السور المفتتحة بهذه الحروف فليرجع إليها ولتعرف وتحفظ وقوله ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) ﴾ أي هو منزله على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس كما يقول المبطلون. وقوله ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ أي هو كتاب فخم جليل القدر فصلت آيته أي بينت حال كون ذلك التفصيل ﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢) ﴾ لسان العرب ويفهمون معاني الكلام وأسراره. قوله ﴿بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ وحال كونه أيضا بشيراً لأهل الإيمان وصالح الأعمال بالفوز بالجنة والنجاة من النار، نذيراً للمشركين المكذبين من عذاب النار، وقوله تعالى: ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ (٣) فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ يخبر تعالى أنه مع بيان الكتاب ووضوح ما جاء به ودعا إليه من التوحيد والخير أعرض أكثر كفار قريش عنه ولم يلتفتوا إليه فهم لا يسمعونه ولا يريدون سماعه بحال، وقالوا معتذرين بأقبح الأعذار: قلوبنا في أكنة أي أغطية تسترها من أجل أن لا نفهم ما تدعونا إليه من التوحيد والإيمان بالبعث والجزاء المقتضي لمتابعتك والسير وراءك، وفي آذاننا وقر أي ثقل فلا تقوى على سماع ما تقول ومن بيننا وبينك حجاب (٤) ساتر وحائل لنا عنك فلا نسمع ما تقول ولا نرى ما تعمل فاتركنا كما تركناك، واعمل (٥) على نصرة دينك فإننا عاملون كذلك على نصرة ديننا والحفاظ على معتقداتنا وهذه نهاية المفاصلة التي أبدتها قريش للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- في إعراب قرآناً عدة وجوه أظهرها أن النصب على الحال وجائز أن يكون على الاختصاص بالمدح.
٣- فأعرض أكثر هؤلاء عما في القرآن من الهدى فلم يهتدوا ومن البشارة فلم يعنوا بها ومن النذارة فلم يحذروها فكانوا في أشد الحماقة إذ لم يعنوا بالخير ولم يحذروا الشر فلم يأخذوا بالحيطة لأنفسهم.
٤- روي أن أبا جهل استغشى على رأسه ثوباً فقال يا محمد بيننا وبينك حجاب استهزاء منه.
٥- وقيل اعمل على هلاكنا فإنا عاملون على هلاكك وقيل غير هذا وما في التفسير أولى.