مَرَّةٍ} أي النشأة الأولى في الدنيا ثم أماتكم ثم أحياكم ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ وها أنتم قد رجعتم فالقادر على هذا كله قادر على أن ينطقنا وعلى كل شيء أراد إنطاقه، وقوله ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ (١) أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ﴾ أي وما كنتم تستخفون فتتركوا محارم الله بل كنتم تجاهرون بذلك لعدم إيمانكم بالبعث والجزاء ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ﴾ وهو ظن سيء ﴿أَرْدَاكُمْ﴾ أي أهلككم ﴿فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وهذا هو الخسران المبين وقوله تعالى في الآية الأخيرة من هذا السياق (٢٣) فإن يصبروا أي أعداء الله الذين شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم فالنار مثوى أي مأوى لهم لا يخرجون منها أبداً. وإن يستعتبوا أي يطلبوا العتبى أي الرضا فيرضى عنهم فيدخلوا الجنة ﴿فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ أي فما هو بحاصل لهم أبداً فهم إذاً بشرِّ التقديرين والعياذ بالله تعالى من حال أهل النار.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض مفصل بحال أهل النار فيها.
٢- التحذير من فعل الفواحش وكبائر الذنوب فإن جوارح المرء تشهد عليه.
٣- التحذير من سوء الظن بالله تعالى ومن ذلك أن يظن المرء أن الله لا يطلع عليه. أو لا يعلم ما يرتكبه، أو أنه لا يحاسبه أو لا يجزيه.
٤- وجوب حسن الظن بالله تعالى وهو أن يرجو أن يغفر الله له إذا تاب من زلة زلها، وأن يرجو رحمته وعفوه إذا كان في حال العجز عن الطاعات ولا سيما عند العجز عن العمل للمرض والضعف كالكبر ونحوه فيغلب جانب الرجاء على جانب الخوف.
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ

١- في الصحيحين حادثة ذكرت أنها سبب نزول هذه الآية وهي أن عبد الله بن مسعود قال كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قريشيان وآخر قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم فتكلموا بكلام لم أفهمه فقال أحدهم أترون أن الله يسمع ما نقول؟ فقال الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا. قال عبد الله فذكرت ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله تعالى ﴿وما كنتم تستترون﴾ الخ..


الصفحة التالية
Icon