معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص موسى مع فرعون: إنه بعد أن التقط آل فرعون موسى من النيل وهو رضيع قدموا له المراضع فرفضهن مرضعة بعد أخرى، فاحتار آل فرعون لحبهم لموسى لأن الله تعالى ألقى عليه محبة منه فما رآه أحد إلا أحبه وهذا معنى قوله تعالى في الآية (١٢) ﴿وَحَرَّمْنَا (١) عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي قبل رده إلى أمه. وقوله: ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ هذه أخته وقد أمرتها أمها أن تقص آثار موسى وتتبع أخباره فلما علمت أن أخاها لم يقبل المراضع وأن القصر في قلق من جراء عدم رضاع موسى تقدمت وقالت ما أخبر الله تعالى به عنها في قوله: ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ ويرضعونه ويحفظونه حتى تنتهي مدة رضاعته ﴿وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (٢) ﴾ وهنا ارتابوا في أمرها واستنطقوها واتهموها بأنها تعرفه فقالت: لا أعرفه، إنما عنيت ﴿وهم له ناصحون﴾ أن أهل هذا البيت ناصحون للملك وهنا استجابوا لها فأتت به أمه فما إن رآها حتى رمى نفسه عليها وأخذ ثديها يمتصه فقالوا لها: ما سر قبوله هذه المرأة فأجابت: بأنها طيبة الريح طيبة اللبن فأذنوا لها في إرضاعه في بيتها فعادت به وهو معنى قوله تعالى ﴿فَرَدَدْنَاهُ (٣) إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ﴾ أي تفرح وتسر ولا تحزن على فراقه، ﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾ إذ وعدها بأنه راده إليها. وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ أي لكن أكثر الناس لا يعلمون أنها أمه ولا أن الله وعدها بأن يرده إليها. وقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ﴾ أي موسى ﴿أَشُدَّهُ (٤) ﴾ أي اكتمال شبابه وهو ثلاثين سنة. ﴿آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾ أي حكمة وهي الإصابة في الأمور ﴿وَعِلْماً﴾ فقهاً في الدين الإسلامي الذي كان عليه بنو إسرائيل. وقوله تعالى ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ أي كما جزينا (٥) أم موسى وولدها موسى نجزي المحسنين وقوله
جالت لتصرعني فقلت لها اقصري
إني امرؤ صرعي عليك حرام
والمراضع: جمع مرضع بدون تاء إذ ليس في الذكور من يرضع فيفرق بينهما بالتاء.
٢- الجملة في محل نصب حالية.
٣- الفاء للعطف التفريع، إذ قوله تعالى: (فرددناه إلى أمه) متفرع من قوله (هل أدلكم على أهل بيت) إلى قوله (ناصحون).
٤- قال مالك وربيعة شيخه: الأشد: الحلم لقوله تعالى: (حتى إذا بلغوا النكاح) وهو أول الأشد وأقصاه أربع وثلاثون سنة. واستوى: أي: بلغ أربعين سنة.
٥- جزاها على استسلامها لأمر ربها وصبرها على فراق ولدها إذ ألقته في اليم وعلى تصديقها بوعد ربها، ومما جزاها به رده ولدها إليها مصحوبا بالتحف والطرف وهي آمنة ووهب ولدها الحكمة والعلم والنبوة.