وجاء رجل من أقصى المدينة: أي مؤمن آل فرعون أتى من أبعد نواحي المدينة.
إن الملأ يأتمرون بك: أي يتشاورون ويطلب بعضهم أمر بعض ليقتلوك.
فاخرج إني لك من الناصحين: أي اخرج من هذه البلاد إلى أخرى.
فخرج منها خائفا يترقب: خائف من القتل يترقب ما يحدث له.
معنى الآيات:
لقد تقدم في الآية قبل هذه أن موسى عليه السلام قد قتل قبطيا بطريق الخطأ وأنه اعترف لربه تعالى بخطإه واستغفره، وأن الله تعالى غفر له وأعلمه بذلك بما شاء (١) من وسائط. ولما علم موسى بمغفرة الله تعالى له عاهده بأن لا يكون ﴿ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ﴾ مستقبلاً ومن ذلك أن يعتزل فرعون وملائه لأنهم ظالمون مجرمون فقال:
﴿رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ أي بمغفرتك لي خطإي (٢) وذلك بالنظر إلى إنعامك علي بالمغفرة أعاهدك أن لا أكون ﴿ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (٣) ﴾ هذا ما دلت عليه الآية (١٧) أي الأولى في هذا السياق وهي قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ﴾ وقوله تعالى: ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ أي فأصبح موسى في مدينة (منف) عاصمة المملكة الفرعونية ﴿خَائِفاً﴾ مما قد يترتب على قتله القبطي ﴿يَتَرَقَّبُ﴾ الأحداث ماذا تسفر عنه؟ ﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ﴾ وهو الإسرائيلي الذي طلب نصرته أمس ﴿يَسْتَصْرِخُهُ﴾ أي يستغيثه بأعلى صوته فنظر إليه موسى وأقبل عليه ليخلصه قائلاً: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ أي لذو غواية بينة والغواية الفساد في الخلق والدين لأنك أمس قاتلت واليوم تقاتل أيضا. ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ﴾ أي موسى ﴿بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا﴾ وهو القبطي قال الإسرائيلي {أَتُرِيدُ

١- يرى بعضهم أن موسى لم يعلم بمغفرة الله تعالى له لأنه لم يكن قد نُبِّئ بعد وجعل جملة (فغفر له) معترضة وقوله: (بما أنعمت عليّ) بالهداية والحكمة والعلم لا بالمغفرة لأنه لم يعلم بها. وما في التفسير أظهر وأولى بالسياق.
٢- إن قتل موسى للقبطي كان قطعا خطأ، روى مسلم عن سالم بن عبد الله أنه قال: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة لما سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (إن الفتنة تجيء من ها هنا وأومأ بيده نحو المشرق – من حيث يطلع قرنا الشيطان وأنتم بعضكم يضرب رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال الله عز وجل: (وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا).
٣- قال ابن عباس: لم يستثن فابتلي من ثاني يوم. هذا إن قلنا: إن كلامه كان خبراً لا دُعاءً إذ الدعاء لا يجوز الاستثناء فيه لا يقال: ارحمني إن شئت.


الصفحة التالية
Icon