ومضى مثل الأولين: أي ومضى في الآيات القرآنية صفة هلاك الأولين.
معنى الآيات:
حم الله أعلم بمراده به، ﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ (١) أي والقرآن الموضح لكل ما ينجي من عذاب الله ويكسب جنته ورضاه وهذا قسم أقسم الله به، والمقسم عليه قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ أي جعلنا الكتاب المبين الذي هو القرآن عربياً أي بلسان العرب ولغتهم.
وقوله ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ بيان للحكمة في جعل القرآن عربياً أي كي تعقلوا معانيه وتفهموا مراد الله منزله منه فيما يدعوكم إليه فيسهل عليكم العمل به فتكملوا وتسعدوا وقوله ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾ أي اللوح المحفوظ لدينا عندنا ﴿لَعَلِيٌّ﴾ أي ذو علو وشأن على سائر الكتب قبله حكيم ذو حكمة بالغة عالية لا يرام مثلها.
وقوله تعالى: ﴿أَفَنَضْرِبُ (٢) عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ (٣) قَوْماً مُسْرِفِينَ﴾ أي أنمهلكم فنضرب عنكم الذكر صفحاً فلا ننزل القرآن حتى لا تؤمروا ولا تنهوا من أجل أنكم قوم مسرفون في الشرك والكفر والتكذيب كلا لا نفعل إذ الاستفهام للإنكار عليهم وقوله ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ (٤) نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ﴾ أي وكثيرا من الأنبياء أرسلنا في الأمم السابقة ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي ما أتى أمة من تلك الأمم رسول منا إلا سخروا منه واستهزأوا به، وبما جاءهم به من الإيمان والتوحيد ودعاهم إليه من فعل الصالحات وترك المحرمات إذاً فاصبر على قومك فإنهم سالكون سبيل من سبقهم في الكفر والتكذيب والسخرية والاستهزاء. وقوله تعالى: ﴿فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً﴾ أي أهلكنا من هم أشد بطشا في تلك الأمم الماضية لما كذبوا رسلنا واستهزأوا بهم فكيف بهؤلاء الذين هم أضعف منهم وأقل قوة وقدرة فأحرى بهم أن لا يمتنعوا من عذابنا متى أردنا إنزاله بهم. وقوله ﴿وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي مضى في الآيات القرآنية صفة هلاك الأولين كقوم عاد وثمود وأصحاب مدين والمؤتفكات ألم يكن لقومك في ذلك عبرة لو كانوا يعتبرون؟
٢- الفاء للتفريع والاستفهام إنكاري أي أتحسبون أن إعراضكم عما نزل من هذا الكتاب يبعثنا على أن نقطع عنكم تجدد التذكير بإنزال شيء آخر من القرآن؟ كما لا يجوز أن نضرب عنكم صفحاً فلا ننزل القرآن من أجل إسرافكم في الشرك والتكذيب، الصفح: الإعراض بصفح الوجه أي جانبه وهو أشد الإعراض.
٣- قرأ نافع ﴿إن كنتم﴾ بكسر الهمزة وقرأ حفص ﴿أن كنتم﴾ بأن المصدرية. وإقحام "قوماً" إشارة إلى أن الإسراف صار طبعاً لهم لا يفارقهم.
٤- كم أرسلنا إلى قوله في الأولين تضمن الكلام الإلهي أمرين الأول تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين والثاني تهديد المشركين المسرفين بأنهم يتعرضون للهلاك الذي تعرضت له أمم قبلهم أشد منهم بطشاً وأكثر منهم قوة فأهلكوا وبقوا أثراً بعد عين.