نسقي به، فلما عذرهما سقى لهما ماشيتهما ﴿ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقِيرٌ﴾ الذي كان جالسا تحته وهو ظل شجرة وهو شجر صحراوي معروف يقال السمر، ولما تولى إلى الظل سأل ربه الطعام لشدة جوعه إذ خرج من مصر بلا زاد ولا دليل ولولا حسن (١) ظنه في ربه لما خرج هذا الخروج فقال: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ﴾ أي (٢) طعام ﴿فَقِيرٌ﴾ أي محتاج إليه شدة الاحتياج. وفي أقرب ساعة وصلت البنتان إلى والدهما فسألهما عن سبب عودتهما بسرعة فأخبرتاه، فقال لإحداهما اذهبي إليه وقولي له: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ وهو معنى قوله تعالى ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا﴾ استجابة الله له ﴿تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ واضعة كم درعها على وجهها حياء. وقد قال فيها عمر رضي الله عنه إنها ليست سلفعاً (٣) من النساء خرّاجة ولاّجة، وبلغت الرسالة المختصرة وكأنها برقية ونصها ما أخبر الله تعالى به في قوله: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ !! وقد ورد أنها لما كانت تمشي أمامه تدله على الطريق هبت الريح فكشفت ساقيها قال لها موسى: امشي ورائي ودليني على الطريق بحصى ترميها نحو الطريق وهذا الذي دلها على أمانته لما وصفته لأبيها بأنه ﴿قَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ كما سيأتي فيما بعد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب حسن الظن بالله تعالى وقوة الرجاء فيه عز وجل والتوكل عليه.
٢- بيان فضل الحياء وشرف المؤمنات اللائي يتعففن عن الاختلاط بالرجال.
٣- بيان مروءة موسى في سقيه للمرأتين.
٤- فضل الدعاء وسؤال الله تعالى ما العبد في حاجة إليه.
٥- ستر الوجه عن الأجانب سنة المؤمنات من عهد قديم وليس كما يقول المبطلون هو عادة جاهلية، فبنتا
شعيب نشأتا في دار النبوة والطهر والعفاف وغطت إحداهما وجهها عن موسى حياءً وتقوى.
فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا
٢- لفظ الخير يطلق عدة إطلاقات فقد أطلق على الطعام كما هنا وأطلق على العبادة كما في قوله: (فعل الخيرات) وعلى القوة في قوله (أهم خير أم قوم تبع) وعلى المال في قوله (وإنه لحبّ الخير لشديد).
٣- السلفع من النساء: الجريئة على الرجال.