وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا﴾ أي النار ﴿نُودِيَ (١) ﴾ أي ناداه ربه تعالى قائلا: ﴿أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ أي تقدس من في النار التي هي نور الله جل جلاله. وهو موسى عليه السلام ومن حولها من أرض القدس والشام، والله أعلم بمراده من كلامه وإنا لنستغفره ونتوب إليه إن لم نوفق لمعرفة مراده من كلامه وخطابه فاغفر اللهم ذنبنا وارحم عجزنا وضعفنا إنك غفور رحيم، وقوله تعالى ﴿وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ نزه تعالى نفسه عما لا يليق بجلاله وكماله وقوله ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ أي الذي يناديك هو الله ذو الألوهية على خلقه العزيز الغالب الذي لا يحال بينه وبين مراده الحكيم في قضائه وتدبيره وتصريف ملكه. بعد أن عرفه بنفسه وأذهب عنه روع نفسه، أمره أن يلقي العصا تمرينا له على استعمالها فقال ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ فألقاها فاهتزت كأنها جان أي حية خفيفة السرعة ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى (٢) مُدْبِراً﴾ أي رجع القهقرى فزعا وخوفا ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ أي لم يرجع إليها خوفا منها فناداه ربه تعالى ﴿يَا مُوسَى (٣) لا تَخَفْ﴾ من حية ولا من غيرها ﴿إِنِّي لا يَخَافُ (٤) لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ ﴿إِلَّا (٥) مَنْ ظَلَمَ﴾ أي نفسه باقتراف ذنب من الذنوب فهذا يخاف لكن إن هو تاب بعد الذنب ففعل حسنات بعد السيئات فإنه لا يخاف لأني غفور رحيم فأغفر له وأرحمه. طمأن تعالى نفس موسى بهذا لأن موسى كان شاعراً بأنه أذنب بقتل القبطي قبل نبوته ورسالته، وإن كان القتل خطأ إلا أنه تجب فيه الكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير النبوة المحمدية.
٢- مشروعية السفر بالأهل والولد وجواز خطأ الطريق حتى على الأنبياء والأذكياء.
٣- قيومية الرجل على النساء والأطفال.

١- عن وهب بن منبه قال: فلما رأى موسى النار وقف قريبا منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها: العُليق فعجب منها... ﴿ونودي أن بورك من في النار ومن حولها﴾
٢- أي: خائفا على عادة البشر.
٣- الاستثناء منقطع أي: لكن يخاف من ظلم، ومن ظلم ثم تاب فلا يخاف أيضا فإن الله غفور رحيم.
٤- هذا مقول قول أي: يا موسى لا تخف.
٥- الجملة تعليل للنهي في قوله: ﴿يا موسى لا تخف﴾.


الصفحة التالية
Icon