أجساد الموتى وما تأكل من لحومهم وعظامهم فكيف يستبعد منا إحياؤهم بعد موتهم.
وعندنا كتاب حفيظ: أي كتاب المقادير الذي قد كتب فيه كل شيء ومن بين ذلك أعداد الموتى وأسماؤهم وصورهم وأجسامهم ويوم إعادتهم.
بل كذبوا بالحق لما جاءهم: بل كذب المشركون بما هو أقبح من تكذيبهم بالبعث وهو تكذيبهم بالنبوة المحمدية وبالقرآن ومن نزل عليه.
فهم في أمر مريج: أي مختلط عليهم فهم فيه مضطربون لا يثبتون على شيء إذ قالوا مرة سحر ومرة قالوا شعر ومرة كهانة وأخرى أساطير.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿ق﴾ الله أعلم بمراده به إذ هو من الحروف المقطعة الأحادية نحو ص. ون وقوله تعالى ﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ١﴾ أي الكريم فالقرآن مجيد كريم بما فيه من الخير والبركة إذ قراءة الحرف الواحد منه بعشر حسنات. وقوله والقرآن المجيد قسم والجواب محذوف تقديره إن محمداً لرسول أمين. وقوله تعالى ﴿بَلْ عَجِبُوا٢ أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ أي إنهم لم يستنكروا أصل الإرسال إليهم وإنما أنكروا كون المرسل بشراً مثلهم ينذرهم عذاب يوم القيامة وهم لا يؤمنون بالبعث الآخر فلذا قالوا ما أخبر تعالى به عنهم وقوله ﴿فَقَالَ الْكَافِرُونَ﴾ أي بالبعث ﴿هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ أي أمر يدعو إلى التعجب إذ من مات وصار ترابا لا يعقل أن يبعث مرة أخرى فيسأل ويحاسب ويجزي وقد أفصحوا عن معتقدهم بقولهم ﴿أَإِذَا مِتْنَا٣ وَكُنَّا تُرَاباً﴾ ذلك الرجوع إلى الحياة رجوع بعيد التحقيق. قال تعالى ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ٤ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ٥ حَفِيظٌ﴾ هذه برهنة واضحة على إبطال دعواهم وتحقيق عقيدة البعث أي قد علمنا ما تنقص الأرض منهم بعد الموت من لحم وعظم، وعندنا كتاب حفيظ قد حوى كل شيء وحفظه مادة وكمية وكيفية بمقتضاه يعود

١ المجيد: المتصف بقوة المجد، والمجد والمجادة: الشرف الكامل، وكرم النوع ولذا فالقرآن يفوق في مجده كل كلام على الإطلاق حتى الكلام الموحى به إلى رسل الله عليهم السلام.
(بل) للإضراب الانتقالي، وهو انتقال من تقرير النبوة المحمدية التي أثبتها بالقسم إلى تقرير عقيدة البعث والجزاء إذ أورد قول الكافرين المنكرين لها ثم أثبتها بالأدلة القاطعة من عدة آيات كأنما قال: دع ذا واسمع ما أقول. و (أن جاءهم) مجرور بمن محذوفة أي من أن جاء وبعد السبك من مجيئهم.
٣ الاستفهام للإبطال والتعجيب والمتعجب منه محذوف تقديره أنرجع إلى الحياة بعد انعدامنا بالموت وصيرورتنا ترابا؟
٤ قوله (ما تنقص الأرض) إشارة إلى أن هناك أجساداً لا تبيد كلها بل يبقى أبعاضها، وإلى أن عجب الذنب لا يفنى ولا يبيد بل يبقى كما هو ليعاد الخلق به يوم القيامة.
٥ التنكير في (كتاب) للتعظيم ويدل عليه قوله (حفيظ).


الصفحة التالية
Icon