الخليل وهم ملائكة في صورة رجال من بينهم١ جبريل وميكائيل وإسرافيل إذ دخلوا عليه أي على إبراهيم وهو في منزله فسلموا عليه٢ فرد السلام ثم قال أنتم قوم منكرون أي لا نعرفكم بمعنى أنكم غرباء لستم من أهل هذا البلد فلذا سارع في إكرامهم فراغ إلى أهله أي عدل ومال إلى أهله فعمد إلى عجل سمين من أبقاره وكان ماله يومئذ البقر فشواه بعد ذبحه وسلخه وتنظيفه. فقربه إليهم وكأنهم أمسكوا عن تناوله فعرض عليهم الأكل عرضا بقوله ألا تأكلون فقالوا إنا لا نأكل طعاما إلا بحقه. فقال إذاً كلوه بحقه، فقالوا وما حقه؟ قال أن تذكروا اسم الله في أوله وتحمدوا الله في آخره أي تقولون بسم الله في البدء والحمد لله في الختم فالتفت جبريل إلى ميكائيل وقال له حق للرجل أن يتخذه ربه خليلا ولما لم يأكلوا أوجس منهم خيفة أي خوفا أي شعر بالخوف في نفسه منهم لعدم أكلهم لأن العادة البشرية وهي مستمرة إلى اليوم إذا أراد المرء بأخيه سوءاً لا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام، ولا يأكل طعامه هذا حكم غالبي وليس عاما. قالوا لا تخف وبشروه بغلام وأعلموه أنهم مرسلون من ربه إلى قوم لوط لإهلاكهم من أجل إجرامهم وبشروه بغلام يولد له ويكبر ويولد له فالأول إسحق والثاني يعقوب كما جاء في سورة هود فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحق يعقوب وقوله ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ﴾ ٣ أخذت في رنة لما سمعت البشرى فصكت أي لطمت وجهها بأصابع يدها متعجبة وهي تقول أألد وأنا عجوز٤ وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب إذ كان عمرها تجاوز التسعين وعمر إبراهيم تجاوز المئة وكانت عقيما لا تلد قط فلذا قالت عجوز٥ عقيم كيف ألد يا للعجب؟ فأجابها الملائكة قائلين كذلك أي هكذا قال ربك فاقبلي البشرى واحمديه واشكريه. إنه تعالى هو الحكيم في تصرفاته في شؤون عباده العليم بما يصلح لهم وما لا يصلح فليفوض الأمر إليه ولا يعترض عليه.
٢ في الآية مشروعية السلام إلقاء ورداً إلا أن الإلقاء سنة والرد واجب لآية النساء: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾.
٣ الصرة: الصيحة والضجة، والصرة، الجماعة، والصرة: الشدة من كرب وغيره قال الشاعر:
فألحقه بالهاديات ودونه
جواحرها في صرة لم تزين
الهاديات: أوائل بقر الوحش وجواحرها: متخلفاتها ولم تزيل لم تنفرق الشاهد في الصرة هنا فإنها بمعنى الضجة والجماعة والشدة. وهو يمدح فرسه الذي ألحقه بأوائل بقر الوحش الذي يصيد.
٤ نص آية هود: ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾.
٥ أي: كيف ألد وأنا عجوز عقيم ف (عجوز) خبر، و (عقيم) بدل منه والمبتدأ محذوف أي: أنا والعجوز يشترك فيه المذكر والمؤنث يقال رجل عجوز وامرأة عجوز فهو فعول بمعنى فاعل مشتق من العجز والعقيم كذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث وهو فعيل بمعنى مفعول مأخوذ من عقمها الله: إذا خلقها لم تحمل بجنين، وكانت سارة لم تحمل قط.