قوله تعالى ﴿وَفِي مُوسَى﴾ ١ الآية إنه تعالى لما ذكر إهلاك قوم لوط وجعل في ذلك آية دالةً على قدرته وعلامةً تدل العاقل على نقمه تعالى ممن كفر به وعصاه ذكر هنا في هذه الآيات التسع من هذا السياق أربع آيات
أخرى، يهتدي بها أهل الإيمان الذين يخافون يوم الحساب فقال عز من قائل: وفي موسى بن عمران نبي بني إسرائيل إذ أرسلناه إلى فرعون ملك القبط بمصر ﴿بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ أي بحجة قوية ظاهرة قوة السلطان وظهوره وهي العصا٢ فلم يستجب لدعوة الحق فتولى بركنه أي ٣بجنده الذي يركن إليه ويعتمد عليه، وقال في موسى رسول الله إليه: هو ساحر أو ٤مجنون فانتقمنا منه بعد الإصرار على الكفر والظلم فنبذناهم أي طرحناهم في اليم البحر فهلكوا بالغرق. في هذا الصنيع الذي صنعناه بفرعون لما كذب آيةٌ من أظهر الآيات. وقوله تعالى: ﴿وَفِي عَادٍ٥﴾ حيث أرسلنا إليهم
أخاهم هوداً فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه فكذبوه ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ التي لا تحمل مطراً ولا تلقح شجراً٦ ما تذر من شيء أتت عليه أي مرت به من أنفس أو أموال إلا جعلته كالرميم٧ البالي المتفتت في هذه الإهلاك آية من أعظم الآيات الدالة على قدرة الله الموجبة لربوبيته وعبادته والمستلزمة لقدرته تعالى على البعث والجزاء يوم القيامة.
وقوله تعالى ﴿وَفِي ثَمُودَ٨﴾ إذ أرسلنا إليهم أخاهم صالحاً فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك الشرك فكذبوه وطالبوه بآية تدل على صدقه فأعطاهم الله الناقة آية فعقروها استخفافاً منهم وتكذيباً ﴿إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ﴾ أي إلى إنقضاء الأجل الذي حدد لهلاكهم. فبدل أن يؤمنوا ويسلموا
٢ وجائز أن يكون غير العصا من الآيات التسع.
٣ وجائز أن يكون بقوته كما قال عنترة:
فما أوهى مراس الحرب ركني
ولكن ما تقادم من زماني
أراد بركنه: قوته، وركن الشيء: جانبه الأقوى.
(أو) بمعنى الواو أي: قال مرة في موسى ساحر وقال مرة أخرى مجنون وشاهده قول الشاعر:
أثعلبة الفوارس أو رياحاً
عدلت بهم طهية والخشايا
أي: ورياحاً فأو بمعنى الواو العاطفة لا غير وطهية كسمية: حي من تميم والخشاب: بطون من تميم أيضاً.
(وفي عاد) أي: وتركنا في عاد آية كالتي في موسى.
٦ ولا خير فيها ولا بركة ولا منفعة البتة مأخوذة من: امرأة عقيم لا تحمل ولا تلد، وهي الدبور لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور}.
(الرميم) الشيء الهاك البالي. قال مجاهد، ومنه قول الشاعر:
تركتني حين كف الدهر من بصري
وإذ بقيت كعظم الرمة البالي
مأخوذ من رم العظم: إذا بلى يقال: رم العظم يرم بالكسر رمة فهو رميم.
(وفي ثمود) أي: وتركنا في ثمود آية للموقنين دالة على قدرة الله وعلمه وحكمته وهي موجبات ألوهيته.