يقولون السام عليكم والسام الموت يلوون بها ألسنتهم، ويأتونا الرسول واحداً واحداً ليحيوه بهذه التحية الخبيثة ليدعوا عليهم بالموت لعنة الله عليه مما أكثر أذاهم وما أشد مكرهم وما أنتن خبثهم ويقولون في أنفسهم أي فيما بينهم لو كان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً لآخذنا الله بما نقول له من الدعاء عليه بالموت وهذا معنى قوله تعالى عنهم: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ﴾ أي هلا عذبنا الله بما نقول لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كان نبياً. ١ قال تعالى حسبهم٢ عذاباً جهنم يصلونها يحترقون بحرها ولظاها يوم القيامة فبئس المصير الذي يصيرون إليه في الدار الآخرة جهنم وزقومها وحميمها وضريعها وغسلينها ويحمومها وفوق ذلك غضب الله ولعنته عليهم.
وقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ﴾ هذه الآية والتي بعدها نزلت في تربية المؤمنين روحياً وتهذيبهم أخلاقياً فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا أي صدقوا الله ورسوله إذا تناجيتم لأمر استدعى ذلك منكم فلا٣ تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول فتكون حالكم كحال اليهود والمنافقين ولكن ﴿تَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ أي بما هو خير في نفسه لا إثم في هو بطاعة الله ورسوله إذ هما التقوى، واتقوا الله الذي إليه تحشرون يوم القيامة لمحاسبتكم ومجازاتكم فاتقوه بطاعته وطاعة رسوله.
وقوله تعالى ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ أي هو الدافع إليها والحامل عليها وذلك لعلة وهي أن يوقع المؤمنين في غم وحزن، وليس التناجي ولا الشيطان بضار المؤمنين شيئاً إلا بإرادة الله تعالى لحكم عالية يعلمها الله، ولذا فلا تحزنوا ولا تغتموا لما ترون من تناجي أعدائكم من اليهود والمنافقين، وتوكلوا على الله في أموركم كلها. وعلى الله تعالى لا على غيره فليتوكل المؤمنون في كل زمان ومكان. فإن الله تعالى كاف من يتوكل عليه كافيه كل ما يهمه والله على ذلك قدير.
٢ روى الترمذي وصححه عن أنس "أن يهودياً أتى على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى أصحابه فقال: السام عليكم. فرد عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال أتدرون ما قال هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال كذا ردوه علي فردوه فقال: قلت السام عليكم؟ قال: نعم فقال النبي عند ذلك إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: عليك ما قلت، فأنزل الله تعالى (وإذا جاؤوك) الآية.
٣ الجمهور أن حرمة تناجي الاثنين دون الثالث والثلاثة دون الرابع وهكذا هو باق على تحريمه وليس مخصوصاً بحالة الحرب كما في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن ألفاظ الحديث عامة. منها حديث الصحيح عن ابن عمر: "إذا كان ثلاثة فلا ينتاجى اثنان دون الواحد". وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه".