معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن فيء بني النضير وتوزيع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له فقال تعالى ﴿لِلْفُقَرَاءِ﴾ أي أعجبوا١ أن يعطى فيء بني النضير للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون أي حال كونهم في خروجهم يطلبون فضلا من الله أي رزقاً يكف وجوههم عن المسألة ورضواناً من ربهم أي رضاً عنهم لا يعقبه سخط. إذ كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى فيء بني النضير للمهاجرين ولم يعط للأنصار إلا ما كان من أبي دجانة وسهل بن حنيف فقد ذكروا لرسوله الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاجة فأعطاهما. فتكلم المنافقون للفتنة وعابوا صنيع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله تعالى هذه الآية يعجب منهم الرسول والمؤمنون في إنكارهم على عطاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المهاجرين دون الأنصار، وهو قوله تعالى ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا٢ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ أي في إيمانهم إذ صدقوا القول بالعمل، وما كان معتقداً باطناً أصبح عملاً ظاهراً بهذه الأوصاف التي ذكر تعالى للمهاجرين أعطاهم الرسول من فيء بني النضير. وأما الأنصار الذين لم يعطهم المال الزائل وهم في غير حاجة إليه فقد أعطاهم ما هو خير من المال. واسمع ثناؤه تعالى عليهم: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ﴾ ٣ أي المدينة النبوية والإيمان أي بوأوه قلوبهم وأحبوه وألفوه. من قبلهم أي من قبل نزول المهاجرين٤ إلى المدينة يحبون من هاجر إليهم من سائر المؤمنين الذين يأتون فراراً بدينهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة أي حسداً ولا غيظاً مما أوتوا أي مما أعطوا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المهاجرين. ويؤثرون على أنفسهم٥ غيرهم من المهاجرين ولو كان بهم خصاصة أي حاجة شديدة وخلة كبيرة لا يجدون ما يسدونها به، وفي السيرة من عجيب إيثارهم العجب العجاب في أن الرجل يكون تحته امرأتان فيطلق إحداهما فإذا انتهت عدتها زوجها أخاه المهاجر فهل بعد هذا الإيثار من إيثار؟.
(أخرجوا) : أي: أحوجهم المشركون إلى الخروج وكانوا مائة رجل كذا قال القرطبي.
(تبوءوا الدار والإيمان) لما كان التبوء يكون في الأماكن كان لابد من تقدير لكلمة الإيمان نحو: تبوءوا الدار والتزموا الإيمان أو ألفوا الإيمان على حد قولهم: علفتها تبناً وماءً بارداً. أي: وسقيتها ماءً.
٤ في العبارة تجوز أي: من قبل نزول أكثر المهاجرين أو من قبل نزول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة وهو سيد المهاجرين وسيد جميع العالمين.
٥ أخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة "أن رجلا بات به ضيف فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه فقال لامرأته: نومي الصبيان وأطفئي السراج وقربي للضيف ما عندك" فنزلت هذه الآية: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.