العمل به حذر في هذه الآية من إهمال تلك الأحكام وتجاهلها وعدم القيام بها فقال: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ١ قَرْيَةٍ﴾ أي كثير من المدن عتا أهلها أي ترفعوا متكبرين عن أوامر الله ورسله فلم يمتثلوها وعن الحقوق فلم يؤدوها حاسبها٢ الله تعالى في الدنيا حساباً شديداً وعذبها عذاباً نكراً أي٣ فظيعاً. فذاقت بذلك وبال أمرها أي عقوبته وكان عاقبة أمرها خسراً أي خساراً وهلاكاً وأعد الله لهم عذاباً شديداً هو عذاب يوم القيامة وفي تكرار الوعيد تحذير من الوقوع فيه بالشرك والظلم. وقوله تعالى ﴿فَاتَّقُوا اللهَ﴾ أي خافوا عقابه فلا تهملوا أحكامه ولا تعطلوها فيحل بكم ما حل بغيركم ممن عتوا عن أمر ربهم ورسله يا أولي الألباب أي العقول الذين آمنوا قد أنزل إليكم ذكراً هو القرآن ﴿رَسُولاً﴾ ٤ هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ٥﴾ واضحات في نفسها لا خفاء فيها ولا غموض، ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات أي ظلمات الكفر والشرك إلى النور نور الإيمان والتوحيد والعمل الصالح.
وقوله تعالى ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ٦ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ٧ اللهُ لَهُ رِزْقاً﴾ هذا وعد كريم من رب رحيم يعد كل من آمن به وعمل صالحاًُ أن يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن له فيها رزقاً وهو نعيم الجنة الذي لا ينفد ولا ينقطع أبداً.
وقوله ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ٨﴾ أي سبع أرضين واحدة فوق الأخرى كالسموات سماء فوق سماء هذا هو الله المعبود بحق الذي لا إله غيره ولا رب سواه.
وقوله تعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ أي٩
(حاسبناها) بمعنى: جازينها مجازاة دقيقة دقة الحساب.
٣ قرأ نافع (نكراً) بضم النون والكاف، وقرأ حفص (نكراً) بضم النون وإسكان الكاف. والعذاب النكر: ما ينكره المرء من فظاعة كيفيته إنكاراً شديداً.
٤ جائز أن يكون (رسولاً) بدل اشتمال من (ذكر) لتوقف الذكر على الرسول، وجائز أن يكون (رسولاً) معمولا لفعل محذوف تقديره وأرسل إليكم رسولاً، وهذا واضح.
٥ قرأ نافع (مبينات) بفتح الياء، وقرأ حفص (مبينات) بكسرها والمعنى واحد.
٦ قرأ نافع ندخله بالنون وقرأ حفص يدخله بالياء.
٧ أحسن الله له رزقاً قوله أحسن أبلغ من أعد لأن الإحسان لا يكون إلا بعد الإعداد.
٨ كون الأرضين سبعاً يشهد له قوله تعالى ومن الأرض مثلهن أي مثل السموات السبع ويشهد له السنة الصحيحة فقد روى عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أخذ شبراً من الأرض ظلماً فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أراضين". ومثله أبي هريرة وفيه قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يأخذ أحد شبراً من الأرض بغير حق إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة".
٩ المراد بالأمر هنا أمر الله تعالى وهو ما يدبر به شؤون مخلوقاته في الأرض والسماء. من موت وحياة وغيرهما وأمر ونهي وعطاء ومنع وغيرهما، والله أعلم بمراده من كلامه وهو العليم الحكيم.