﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً١﴾ أي وترى أيها الرسول يوم القيامة كل أهل دين وملة وقد جثوا على ركبهم خوفاً وذلاً مستوفزين للعمل بما يؤمرون به. وقوله ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾ أي الذي أنزل على نبيها لتعمل بما جاء فيه من عقائد وشرائع ويقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون أي في الدنيا من خير وشر. فإذا حاولوا الإنكار قيل لهم: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، وهو كتاب الأعمال الذي دونته الحفظة وقوله ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي نأمر ملائكتنا بنسخ أعمالهم أي بإثباتها وحفظها وهاهي ذي بين أيديكم ناطقة صارخة بما كنتم تعملون.
قال تعالى مفصلا للحكم الناتج عن شهادة الكتاب ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ٢ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي وتركوا الشرك والمعاصي فيدخلهم ربهم جزاء لهم في رحمته وهي الجنة دار المتقين ذلك هو الفوز المبين أي إدخاله الجنة بعد إنجائهم من النار هو الفوز المبين إذا الفوز معناه، النجاة من المرهوب والظفر بالمرغوب المحبوب. هذا جزاء أهل الإيمان والتقوى وأما الذين كفروا وهم أهل الشرك والمعاصي فيقال لهم: ﴿أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ أي ألم تأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم؟ بل كانت تتلى عليكم فاستكبرتم عنها فلم تتعرفوا إلى ما فيها وإلى ما تدعوا إليه، وكنتم باستكباركم عنها قوما مجرمين٣ على أنفسكم إذا أفسدتموها بالشرك والمعاصي.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾ أي وعده تعالى بالبعث والجزاء حق لابد واقع والساعة آتية لا ريب فيها أي جائية لا محالة ولا ريب في وقوعها بحال من الأحوال قلتم ما ندري ما الساعة متجاهلين لها متعجبين من وقوعها. وقلتم إن نظن إلا مجرد ظن فقط وما نحن بمستيقنين٤ بمجيئها، وهذا بالنسبة إلى بعض الناس، وإلا فقد تقدم أن بعضهم كان ينكر البعث بالكلية وهذا ظاهر في كثير من الناس الذين يؤمنون بالله وبلقائه وهم لا يفترون من المعاصي ولا يقصرون عن فعل الشر والفساد.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر بعض ما يقع يوم القيامة.
٢- تقرير عقيدة كتابة أعمال العباد وتقديمها لهم يوم القيامة في كتاب خاص.

١ الأمة الجماعة العظيمة أمرها واحد يجمعهم دين والجثو البروك على الركب في استنفار وهي هيئة الخضوع.
٢ فأما.. الخ هذه الفاء عاطفة لمفصل من الكلام على مجمل منه وهو قوله تعالى وترى كل أمة جاثية والبدأ بتفصيل المؤمنين تعجيلاً للمسرة لهم وتنويها لشأن الإيمان والعمل الصالح.
٣ إقحام لفظ (قوما) للدلالة على أن الإجرام صار خلقاً لهم مخالطاً لنفوسهم حتى صار مما يمقتون به ولولا هذا لقال بل كنتم مجرمين، دون ذكر (قوم) والاستفهام في قوله أفلم تكن آياتي للتقرير والتوبيخ.
٤ هذه الجملة تأكيد لجملة إن نظن إلا ظناً، والسين والتاء في بمستيقنين للمبالغة في عدم حصول الفعل.


الصفحة التالية
Icon