أنه لا حساب ولا عقاب، وأن آلهتهم تشفع لهم وقوله تعالى ﴿أَمَّنْ١ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾ أي من هذا الذي يطعمكم ويسقيكم ويأتي بأقواتكم إن أمسك الله ربكم رزقه عنكم فلو قطع عليكم المطر ما أتاكم به أحد غير الله. وقوله تعالى ﴿بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾ أي أنهم لم يتأثروا بهذا التبكيت والتأنيب بل تمادوا في الكبر والتباعد عن الحق. وقوله تعالى ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي ٢مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ٣ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ؟﴾ هذا مثل ضربه الله تعالى للمشرك والموحد تبياناً لحالهما وتحقيقا لواقع مذهبهما فقال أفمن يمشي مكباً أي واقعاً على وجهه هذا هو المشرك الذي سيكب على وجهه في جهنم أهدى أمن يمشي سويا أي مستقيما على صراط مستقيم أي طريق مستقيم هذا هو الموحد فأيهما أهدى؟ والجواب قطعاً الذي يمشي سويا على صراط مستقيم إذاً النتيجة أن الموحد٤ مهتد والمشرك ضال. وقوله تعالى ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ﴾ أي خلقكم ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ أي القلوب أي وأنتم لا تكرون ذلك فمالكم إذاً لا تشكرون المنعم عليكم بهذه النعم وذلك بالإيمان به وبرسوله وطاعته وطاعة رسوله إنكم ما تشكرون إلا قليلا وهو اعترافكم بأن الله هو المنعم لا غير. وقوله تعالى ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ أي قل لهم يا رسولنا الله هو الذي ذرأكم في الأرض أي خلقكم لا أصنامكم التي لا تخلق ذبابا وإليه تعالى وحده تحشرون يوم القيامة إذاً فكيف لا تؤمنون به وبرسوله ولا تشكرونه ولا تخافونه وإليه تحشرون فيحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم.
وقوله تعالى ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي ويقول الكافرون لرسول الله والمؤمنين: متى هذا الوعد الذي تعدوننا به وهو يوم القيامة أي متى يجيء؟ وهنا قال تعالى لرسوله إجابة لهم على سؤالهم: قل ﴿إِنَّمَا الْعِلْمُ ٥عِنْدَ اللهِ﴾ أي علم مجيء يوم القيامة عند الله، وليس هو من شأني وإنما أنا نذير منه مبين لا غير. وقوله تعالى ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ أي عذاب يوم القيامة ﴿زُلْفَةً﴾ أي٦ قريبا منهم ﴿سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي أساءها الله فتغيرت بالاسوداد والكآبة

١ أمن هذا الذي: القول فيها كالقول في سابقها سواء.
٢ مكبا اسم فاعل من اكب اللازم أما المعتدي فهو كبه يكبه وجواب الاستفهام الأول هو جملة أهدى وحذف جواب الاستفهام الثاني لدلالة الأول عليه.
٣ أهدى أي أكثر هداية واستقامة والسوي هو الشديد الاستواء وهو الاعتدال ولاستقامة.
٤ جائز أن يراد بالمكب على وجهه أبو جهل، والسوي على صراط مستقيم أبو بكر رضي الله عنه والمثل عام في كل مشرك وموحد أو كافر ومؤمن.
٥ كقوله تعالى: قل إنما علمها عند ربي الآية من سورة الأعراف.
٦ زلفة: اسم مصدر من أزلف إزلافاً إذا أقرب، والزلفى القربة والمنزلة. والفاء في فلما رأوه زلفة هي الفصيحة إذ أعربت من جملتين وترتيب الشرطية عليها كأنه قيل وقد أتاهم الموعود به فرأوه، فلما رأوه زلفة سيئت أي اسودت وجوه الذين كفروا لما فيها من الخوف والحزن.


الصفحة التالية
Icon