وقوله ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ١ هذا أيضا داخل في حيز المقسم عليه وهو أن النبي محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلى خلق أي أدب عظيم حيث أدبه ربه فكيف لا يكون أكمل الخلق أدباً وسيرته وما خوطب به في القرآن من مثل خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين. ومثل وشاورهم في الأمر ومثل ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك إلى غير ذلك من الآداب الرفيعة التي أدب الله بها رسوله مما جعله أكمل الناس أدبا وخلقا وقد سئلت عائشة عن خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت كان خلقه القرآن وقال هو عن نفسه أدبني ربي فأحسن تأديبي وقال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وقوله تعالى ﴿فَسَتُبْصِرُ٢ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ أي دم على ما أنت عليه من الكمال يا رسولنا واصبر على دعوتنا فستبصر بعد قليل من الزمن ويبصر قومك المتهمون لك بالجنون بأيكم٣ المفتون أي المجنون أنت –وحاشاك- أو هم. وقوله تعالى ﴿إِنَّ٤ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ في هذا الخبر تعزية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتسلية له ليصبر على دعوة الله وفيه تهديد ووعيد للمشركين المكذبين فكون الله أعلم من كل أحد بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين معناه أنه سيعذب حسب سنته الضال وسيرحم المهتدي.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١-تقرير مسألة أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه.
٢-بيان فضل القلم الذي يكتب به الهدى والخير.
٣-تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ كان ذلك بالقلم الذي أول ما خلق الله.
٤-بيان كمال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أدبه وأخلاقه وجعله قدوة في ذلك.

١ ورد في فضل الخلق أحاديث. " اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"، وحديث "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء". (صحيح).
٢ قال ابن عباس فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتميز الحق من الباطل وما في التفسير وارد وحق ولعله المراد وما قاله ابن عباس حق ووارد.
٣ بأيكم المفتون، أي اسم مبهم يتعرف بما يضاف هو إليه، وله مواقع كثيرة في الكلام فقد يشرب معنى الموصول ومعنى الشرط ومعنى الاستفهام، ومعنى التنويه بكامل. فقوله بأيكم المفتون معناه أي رجل أو أي فريق منكم المفتون فأي هنا في محل نصب معمول فسينتصر وينتصرون أيكم المفتون إذ الياء زائدة كالباء في وامسحوا برؤوسكم.
٤الجملة تعليلية لما ينبيء عنه ما قبله من اهتدائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضلالهم أو على جميع ما فصل من أول السورة ومع أنها تعليلية فإنها متضمنة التسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في التفسير.


الصفحة التالية
Icon