معنى الآيات:
قوله تعالى فلا أقسم١ بما تبصرون وما لا تبصرون أي فلا٢ الأمر كما ترون وتقولون أيها المكذبون أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون من المخلوقات في الأرض وفي السماوات إنه أي القرآن لقول رسول كريم على ربه تعالى وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي إنه تبليغه وقوله إليكم وما هو بقول شاعر. كما تقولون كذباً قليلا ما تؤمنون٣ أي أن إيمانكم قليل ضيق الدائرة فلو كان واسعاً لاتسع للإيمان بالقرآن إنه كلام الله ووحيه وليس هو من جنس الشعر لمخالفته له نظماً ومعنىً. وما هو بقول كاهن قليلا ما تذكرون أي وليس القرآن بقول كاهن قليلا ما تذكرون أي تذكركم قليل جدا فلو تذكرتم كثيرا لعلمتم أن القرآن ليس بكلام الكهان لملازمته للصدق والحق والهدى ولبعد قائله عن الإثم والكذب بخلاف قول الكهان فإن سداه ولحمته الكذب وقائله هو الإثم كله فأين القرآن من قول الكهان؟ وأين محمد الرسول من الكهان إخوان الشيطان إنه تنزيل من رب العالمين أيها المكذبون الضالون. وأمر آخر وهو أن الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو تقول٤ علينا بعض الأقاويل ونسبها إلينا لأخذنا منه باليمين أي لبطشنا به وأخذنا بيمينه ثم لقطعتا منه الوتين فيهلك إذ الوتين هو عرق القلب إذا قطع مات الإنسان وإذا فعلنا به هذا فمن منكم يحجزنا عنه؟ وهو معنى قوله تعالى ﴿فَمَا مِنْكُمْ٥ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ وقوله تعالى ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿لَتَذْكِرَةٌ٦﴾ أي موعظة عظيمة للمتقين٧ الذين يخافون عقاب الله ويخشون نقمه وعذابه وإنا لنعلم أن ٨منكم أيها الناس مكذبين ليس بخاف عنا أمرهم وسنجزيهم وصفهم وإنه لحسرة٩ على الكافرين أي يوم القيامة عندما يرون المؤمنين به يؤخذ بهم ذات اليمين إلى دار السلام والمكذبين به يؤخذ بهم ذات الشمال إلى دار
٢ هذا بناء على أن لا رد لكلام سابق وليست زائدة وكونها زائدة لتأكيد الكلام أولى من كونها نافية، إذ وجدت في فاتحة سورتي القيامة والبلد وليس قبلهما ما ينفي كأنه يقول لا أقسم لأن الأمر لا يحتاج إلى قسم كالمتحرج من الإقسام.
٣ جائز أن يكون لفظ قليلا في الموضعين مراداً به انتفاء ذلك كلية لأنه وقع بقلة، وقليلاً صفة لموصوف محذوف أي إيماناً قليلاً، وتذكراً قليلاً، وما مزيدة لتوكيد الكلام كما في قول الشاعر:
قليلاً به ما يحمدنك وارث
إذا نال مما كنت تجمع مغنماً
٤ التقول نسبة قول إلى من لم يقله، والأقاويل جمع أقوال الذي هو جمع قول.
٥ من مزيدة لتأكيد النفي وللتنصيص على العموم وفي الآية دليل أن من يدعي أنه يوحى إليه لا يلبث طويلاً حتى يأخذه الله تعالى.
٦ التذكرة اسم مصدر بمعنى التذكير وهو التنبيه إلى مغفول عنه.
٧ خص المتقون لأنهم هم المنتفعون به لاستعدادهم بقوة إيمانهم وصحة علمهم وكمال رغبتهم في الطاعة.
٨ في الكلام إيجاز والتقدير إنا بعثنا إليكم الرسول بهذا القرآن ونحن نعلم أنه سيكون منكم مكذبون.
٩ جائز أن يكون الضمير عائداً على التكذيب إذ به كانت حسرة الكافرين يوم القيامة وجائز أن يكون عائداً على القرآن لأنهم لم يؤمنوا به ويعملوا بما دعا إليه من الإيمان وصالح الأعمال.