وجمع فأوعى: أي جمع المال وجعله في وعاء ومنع حق الله تعالى فيه فلم ينفق منه في سبيل الله.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿سَأَلَ١ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ هذه الآيات نزلت رداً على دعاء النضر بن الحارث ومن وافقه اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب أليم فأخبر تعالى عنه بقوله ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ٢ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللهِ﴾ أي إنه واقع لا محالة إذ ليس له دافع من الله ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ أي صاحب العلو والدرجات ومصاعد الملائكة وهي السموات وقوله تعالى ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ أي ٣تصعد الملائكة وجبريا إليه تعالى ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ أي يصعدون من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع في يوم مقداره خمسون ألف سنة بالنسبة لصعود غير الملائكة من الخلق ﴿فَاصْبِرْ٤ صَبْراً جَمِيلاً٥﴾ وقوله تعالى ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾ يعني أن المشركين المكذبين يرون العذاب بعيدا لتكذيبهم بالبعث الأخر. ونحن نراه قريبا ويبين تعالى وقت مجيئه فقال ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ﴾ أي تذوب فتصير كذائب النحاس ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ﴾ أي الصوف المصبوغ خفة وطيرانا بالريح وهذا هو الانقلاب الكوني حيث فني كل شيء ثم يعيد الله الخلق فإذا الناس في عرصات القيامة واقفون حفاة عراة ﴿لا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً﴾ لانشغال كل بنفسه كما قال تعالى ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ عن السؤال عن غيره أو عن سؤال غيره وقوله تعالى ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ أي عدم سؤال بعضهم بعضا ليس ناتجا عن عدم معرفتهم لبعضهم بعضا٦ لا بل يبصرهم ربهم بهم فيعرف كل قريب قريبه ولكن اشتغاله بنفسه يحول دون سؤال غيره، ويشرح هذا المعنى قوله تعالى يود المجرم أي ذو الإجرام على نفسه بالشرك والمعاصي لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه أي أولاده الذكور ففضلا عن الإناث وصاحبته أي زوجته وأخيه وفصيلته التي تؤويه بأن تضمه إلى نسبها والفصيلة العشيرة انفصلت

١ قرأ نافع سال بدون همزة تخفيفا وقرأ حفص سأل بالهمزة على الأصل.
٢ وإن كانت الباء في بعذاب بمعنى عم فيكون السائل سأل عن العذاب لمن يقع أو متى يقع كقوله تعالى ﴿فاسأل به خبيراً﴾ أي عنه خبيراً وكقول الشاعر:
فإن تسألوني بالنساء فإنني
بصير بأدواء النساء طبيب
ومن بلاغة القرآن تعدية سأل بالباء ليكون صالحاً للاستفهام والدعاء والاستعجال.
٣ هذا العروج كائن يوم القيامة وهو اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة.
٤ الفاء للتفريع إذ سبق أن السائل بالعذاب كان مستهزئاً مستخفاً فلذا أمر الله رسوله بالصبر الجميل على ما يقوله المشركون.
٥ الجملة تعليلية لكل من جملة سأل سائل بعذاب وللأمر بالصبر.
٦ قرأ نافع يومئذ بفتح يومئذ وقرأ الجمهور بكسرها بإضافة عذاب إليها.


الصفحة التالية
Icon