أنبتكم من الأرض نباتا: أي أنشأكم من تراب الأرض.
ثم يعيدكم فيها: أي تقبرون فيها.
ويخرجكم إخراجا: أي يوم القيامة.
سبلا فجاجا: أي طرقا واسعة.
معنى الآيات:
هذه الآيات تضمنت لوحة مشرقة يهتدي بضوئها الهداة الدعاة إلى الله عز وجل إذ هي تمثل عرض حال قدمه نوح لربه عز وجل هو خلاصة دعوة دامت قرابة تسعمائة وخمسين سنة ولنصغ إلى نوح عليه السلام وهو يشكوا إلى ربه ويعرض عليه ما قام به من دعوة إليه فقال ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي﴾ وهم أهل الأرض كلهم يومئذ ﴿لَيْلاً وَنَهَاراً﴾ أي بالليل وبالنهار إذ بعض الناس لا يمكنه الاتصال بهم إلا ليلا ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي﴾ ١ إياهم إلى الإيمان بك وعبادتك وحدك ﴿إِلَّا فِرَاراً﴾ مني٢ ومما أدعوهم إليه وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم بأن يستغفروك ويتوبوا إليك لتغفر لهم ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ حتى لا يسمعوا ما أقول لهم، ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ أي تطغوا بها حتى لايروني ولا ينظروا إلى وجهي كراهة لي وبغضا في ﴿وَأَصَرُّوا﴾ على الشرك والكفر إصراراً متزايدا عنادا ﴿وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارا﴾ عجيبا٣.
﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ﴾ إلى توحيدك في عبادتك وإلى ترك الشرك فيها ﴿جِهَاراً﴾ أي مجاهرا بذلك ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً﴾ بحسب الجماعات والظروف أطرق كل باب بحثا عن استجابتهم للدعوة وقبولهم للهدى فقلت ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ٤ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ٥ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً﴾ أي ينزل عليكم المطر متتابعا فلا يكون قحط ولا محل ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ كما هي رغبتكم ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ﴾ بساتين ذات نخيل وأعناب ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً٦﴾ تجري في تلك البساتين تسقيها. ثم التفت إليهم وقال لهم منكرا عليهم استهتارهم وعدم خوفهم ﴿مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً﴾ أي ما دهاكم أي شيء جعلكم لا ترجون لله وقارا لا تخافون عظمته وقدرته وكبرياءه ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾ ولفت نظرهم إلى مظاهر قدرة الله تعالى فقال لهم ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ
٢ أي إلا تباعدا عن الإيمان وإعراضاً عنه.
٣ إذ قالوا له: أنؤمن لك واتبعك الأرذلون والحامل لهم على هذا القول الكبر الذي تجاوزوا الحد فيه.
٤ إنه كان غفاراً هذا منه عليه السلام ترغيب لهم في التوبة قال الفضيل بن عياض قول العبد أستغفر الله معناه أقلني.
٥ يرسل السماء المراد المطر لا السماء هذا كقول الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم
رعيناه وإن كانوا غضابا
٦يروى عن الحسن البصري أن رجلاً شكا إليه الجدوبة فقال له استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له استغفر الله وقال له آخر ادع الله أن يرزقني ولداً فقال له استغفر الله، فقيل له في ذلك، فقال: ما قلت من عندي شيئا إن الله يقول في سورة نوح {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾.