تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} أي من الأصنام والأوثان ﴿أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ﴾ أي من شي ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ ولو أدنى شرك وأقله، وقوله ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ أي بقية من علم تشهد١ بصحة عبادة ودعاء آلهة لم تخلق شيئا من الأرض وليس لها أدنى شرك في السموات ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في دعواكم أنها آلهة تستحق أن تعبد. وقوله تعالى ﴿وَمَنْ٢ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ ينفي تعالى على علم تام أنه لا أضل من أحد يدعو من غير الله تعالى معبوداً لا يستجيب له في قضاء حاجة أو قضاء وطر مهما كان صغيراً أبداً وحقا لا أحد أضل ممن يقف أمام جماد لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق يدعوه ويسأله حاجته وقوله ﴿وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ٣ غَافِلُونَ﴾ أي وأولئك الأصنام المدعوون غافلون تماما عن داعيهم لا يعلمون عنه شيئا لعدم الحياة فيهم، ولو كانوا يوم القيامة ينطقهم الله ويتبرءون ممن عبدوهم ويخبرون أنهم ما عبدوهم ولكن عبدوا الشيطان الذي زين لهم عبادتهم، وهو ما دل عليه قوله تعالى ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ﴾ أي ليوم القيامة كانوا لهم٤ أعداء وخصوماً وكانوا بعبادتهم من دعاء وذبح ونذر وغيره كافرين أي جاحدين غير معترفين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- إثبات النبوة المحمدية بتقرير أن القرآن تنزيل الله على رسوله المنزل عليه وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- انتفاء العبث عن الله تعالى في خلقه السموات والأرض وما بينهما وفي كل أفعاله وأقواله.
٣- تقرير حقيقة علمية وهي من لا يخلق لا يُعبد.
٤- بيان أنه لا أضل في الحياة من أحد يدعوا من لا يستجيب له أبداً كمن يدعون الأصنام والقبور والأشجار بعنوان التوسل والاستشفاء والتبرك.

(من علم) أي: من أهل العلم السابقين غير ومكتوبة في الكتب، وهذا التوسيع عليهم في أنواع الحجج ليكون عجزهم بعد ذلك أقطع لحجتهم وإبطال دعواهم في الشرك. ذكر القرطبي عند تفسير: (أو أثارة من علم) أن بعضهم فسر الأثارة: بالخط، وإن نبيا كان يخط، والمراد التعرف إلى علم الغيب، وختم القول بكلمة لابن العربي أنهى بها الموضوع، إذ قال: إن الله تعالى لم يبق في الأسباب الدالة على الغيب إلا الرؤية إذ هي جزء من النبوة، والفأل الحسن لا غير وأنشد لبعضهم:
الفال والزجر والكهان كلهم
مضللون ودون الغيب أقفال
٢الاستفهام للإنكار والتعجب معاً، والمعنى: لا أحد أشد ضلالاً وأعجب حالاً ممن يدعون... الخ
٣ الجملة حالية، وجملة: (وإذا حشر الناس) معطوفة عليها.
٤ فالعابدون كالمعبودين سواء في التبرؤ من بعضهم بعضا يوم القيامة وإعلان العداء لبعضهم بعضاً.


الصفحة التالية
Icon