﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً﴾ واسعا تمده به الزراعة والتجارة فصلا بعد فصل ويوما بعد يوم، ﴿وَبَنِينَ شُهُوداً﴾ لا يغيبون كما يغيب الذين يطلبون العيش كما أنهم لمكانتهم يستشهدون فيشهدون فهم شهود على غيرهم. ويشهدون المحافل وغيرها. ﴿وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً١﴾ أي بسطت له في العيش والعمر والولد والجاه العريض في ديار قومه، ﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ﴾ أي أن أزيده من المذكور في الآيات ﴿كُلّاً﴾ أي لن أزيده بعد اليوم، وعلل تعالى لمنعه الزيادة بقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا﴾ "القرآنيه" ﴿عَنِيداً﴾ أي ٢ معانداً يحاول إبطالها بعد رفضه لها. ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً﴾ أي سأكلفه عذابا شاقا لا قبل له به وذلك جبل٣ من نار في جهنم يكلف صعوده كلما صعد سقط وذلك أبداً. وعلل أيضا لهذا العذاب الذي أعده له وأوعده به فقال تعالى ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ﴾ أي فيما يقول في القرآن لما طلبت منه قريش أن يقول فيه ما يراه من صلاح أو فساد. ﴿وَقَدَّرَ﴾ في نفسه ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ أي لعن كيف قدر ذلك التقدير الذي هو قوله ﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾. ﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ فلعنه الله لعنتين تلازمانه واحدة في الدنيا والأخرى في الآخرة وقوله تعالى عنه ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ أي تروى ﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾ أي قطب فقبض مابين عينيه ﴿وَبَسَرَ﴾ أي كلح وجهه فاسود. فقال اللعين نتيجة تفكير وتقدير ونظر ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ أي ما هذا القرآن إلا سحر ينقل عن السحرة في اليمن ونجد والحجاز ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ أي ما هذا الذي يتلوه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا قول البشر قال٤ تعالى موعداً إياه على قولته الكافرة الفاجرة ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ أي سأدخله نار سقر يصطلي بنارها، ثم عظم تعالى من شأن سقر فقال ٥ ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾ أي أي شيء يدريك ما هي وما شأنها فإنها عظيمة ﴿لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ﴾ أي لا تبقي لحما ولا تذر عصبا بل تأتي على الكل لواحة٦ للبشر أي تحرق الجلود وتسودها. والبشر جمع بشرة الجلدة ومن ذلك سمي الآدميون بشرا لأن بشرتهم مكشوفة ليست مستورة بوبر ولا صوف ولا سعر ولا ريش. وقوله تعالى ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ أي على سقر ملائكة يقال لهم الخزنة عدتهم تسعة عشر ملكاً لقد كان لنزول هذه الآية سبب معروف وهو أن قريش اتهمت الوليد بأنه صبا مال إلى دين محمد فسمع ذلك منهم فأنكر وحلف لهم فطلبوا إليه إن كان صادقا أن

١ قال القرطبي: التمهيد عند العرب التوطئة والتهيئة: ومنه مهد الصبي.
٢ يقال عند يعند كضرب يضرب أي خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند.
٣ رواه الترمذي. وقال فيه غريب.
٤ قال السدي يعنون أنه من قول سيار عبد لبني الحضرمي كان يجالس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنسبوه إلى أنه تعلم منه ذلك.
٥ ما استفهامية أي أي شيء يدريك وما سقر ما استفهامية مبتدأ وسقر خبره.
٦ البشر جمع بشرة ومعنى لواحة مغيرة للون البشر بالسواد يقال لاحه الحر أو البرد أو المرض إذا غيره قال الشاعر:
تقول ما لاحك يا مسافر
يابنة عمي لا حنى الهواجر


الصفحة التالية
Icon