معنى الآيات:
بعدما عاتب الرب سبحانه وتعالى رسوله على انشغاله بأولئك الكفرة المشركين وأعراضه عن ابن أم مكتوم الأعمى فكان أولئك المشركون هم السبب في إعراض الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ابن أم مكتوم وفي عتاب الله تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستجوبوا لذلك لعنة الله تعالى عليهم لكفرهم وكبريائهم جرد الله تعالى شخصا منهم غير معلوم والمراد كل كافر متكبر مثلهم فقال ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ﴾ أي الكافر ﴿مَا أَكْفَرَهُ﴾ أي ما حمله على الكفر والكبر. فلينظر ﴿مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ ربه الذي يكفر به؟ إنه خلقه من نطفة قذرة ﴿خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾ أي أطوارا نطفة فعلقة فمضغة. أمن كان هذا حاله يليق به أن يكفر ويتكبر ويستغني عن الله؟ فلينظر إلى مبدئه ومنتهاه وما بينهما مبدأه نطفة مذرة وأخره جيفة قذرة. وهو بينهما حامل عذرة. كيف يكفر وكيف يتكبر؟ وقوله تعالى ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ فلولا أن الله تعالى يسر له الخروج من بطن أمه والله ما خرج. ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ﴾ بدون استشارته ولا أخذ رأيه ﴿فَأَقْبَرَهُ١﴾ هيأ له من يقبره وإلا لأنتن وتعفن وأكلته الكلاب، ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ٢﴾ ﴿كَلاَّ٣﴾. أما يصحو هذا المغرور أما يفيق هذا المخدوع. ﴿لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾ فما له لا يقضي ما أمره ربه من الإيمان به وطاعته ﴿َلْيَنْظُرِ الْإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ٤﴾ الذي حياته متوقفة عليه كيف يتم له بتقدير الله تعالى وتدبيره لعله يذكر فيشكر ﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً﴾ كالبر والشعير والذرة وسائر الحبوب المقتاتة وعنبا يأكله رطبا ويابسا ﴿وَقَضْباً﴾ وهو القت الرطب يقضب أي يقطع مرة بعد مرة وهو علف البهائم، ﴿وَزَيْتُوناً﴾ يأكله حبا ويدهن به زيتا ﴿وَنَخْلاً﴾ يأكله ثمرة بسرا ورطبا وتمرا ﴿وَحَدَائِقَ غُلْباً﴾ أي بساتين ملتفة الأشجار كثيرتها الواحدة غلباء٥ ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبّاً﴾ الفاكهة لكم والأب علف لدوابكم ﴿مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ أي هذه المذكورات بعضها متاعا لكم أي منافع تتمتعون بها وبعضها لأنعامكم وهو القضب والأب منفعة لها تعيش عليها فبأي وجه تكفر ربك يا أيها الإنسان الكافر؟.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته وهي مقتضية للإيمان به وبآياته ورسوله ولقائه.
٢ أنشره ونشره بمعنى واحد أي أحياه بعد موته وسيشاء ذلك فينشره يوم القيامة للحساب والجزاء.
٣ لأهل العلم في حقيقة (كلا) هذا كلام طويل واختلاف كبير والراجح أنها كما هي الغالب فيها أنها للردع أي ردع له على كفره واستمرار غفلته وإعراضه وجهله وعدم علمه، وجملة لم يقض بيانية أي بيات علة كفره وعناده وهي أنه لم يقض ما أمر به من النظر والتأمل ولو فعل ذلك لعرف واهتدى، ومن هنا أمره أن ينظر إلى طعامه.
٤ هناك لطيفة تستشف من هذه الآية وهي أن طعام الإنسان كالمثل للدنيا في مبدئها ومنتهاها فإن طعامه وإن ملحه وفلفله فإنه يصير إلى عذرة منتنة.
٥ يقال للأسد الأغلب لأنه مصمت العنق لا يلتفت إلا جمعاً.