الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} أي أختلط ماؤها بعضه ببعض ملحها بعذبها لانكسار ذلك الحاجز الذي كان يفصلهما عن بعضهما لزلزلة الأرض إيذاناً بخراب العالم، ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ ١ قلبت وأخرج ما فيها من الأموات، إذا حصلت هذه الأحداث الأربعة ثلاثة منها في الدنيا وهي انفطار السماء وانتثار الكواكب وتفجر البحار وهذه تتم بالنفخة الأولى والرابع هو بعثرة القبور يتم في الآخرة بعد النفخة الثانية، وعندها تعلم نفس ما قدمت وما أخرت وهذا جواب إذا في أول الآيات. ومعنى ﴿عَلِمَتْ٢ نَفْسٌ﴾ أي كل نفس مكلفة ما قدمت من أعمال حسنة وسيئة، وما أخرت من أعمال لحقتها بعدها وذلك ما سنته سنن الهدى أو سنن الضلال، لحديث من سن سنة حسنة فله أجرها وأجرمن عمل بها ولا من أجورهم شيء، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عملها لا ينقص من أوزارهم شيء، وهذا العلم يحصل للنفس أولاً مجملا وذلك عند ابيضاض الوجوه واسودادها، ويحصل لها مفصلا عندما تقرأ كتاب أعمالها. وقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ٣ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ يخاطب تعالى الإنسان الكافر والفاجر ليسأله موبخا إياه مقرعا مؤنبا
بقوله ما غرك أي أي شيء خدعك وجرأك على الكفر بربك الكريم وعصيانه بالفسق عن أمره والخروج عن طاعته. وهو القادر على مؤاخذتك والضرب على يديك ساعة ما كفرت به أو عصيته أليس هو الذي خلقك فسوى خلقك وعدل٤ أعضاءك وناسب بين أجزائك في أي صورة ما شاء ركبك إن شاء بيضك أو سودك طولك أو قصرك جعلك ذكراً أو أنثى إنساناً أو حيوانا قرداً أو خنزيراً هل هناك من يصرفه عما أراد لك والجواب لا أحد إذاً كيف يسوغ لك الكفر به وعصيانه والخروج عن طاعته وبعد هذا التوبيخ والتأنيب قال تعالى ﴿كَلَّا﴾ أي ما غرك كرم٥ الله ولا حلمه ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ أي بالبعث والجزاء في الدار الآخرة هو الذي جرأكم على الكفر والظلم والإجرام وما علمتم والله إن عليكم لحافظين يحفظون عليكم أعمالكم ويحصونها لكم ويكتبونها في صحائفكم. يعلمون ما
٢ ليس بلازم أنها بمجرد ما يحصل الذي جعلت إذا شرطاً له يتم العلم للنفس، وإنما إذا قامت القيامة بحصول الانقلاب الكوني وحشر الناس لفصل القضاء ثم يحصل للنفس. فتعلم ما قدمت وما أخرت.
٣ الإنسان هنا للجنس وقيل المراد به أبو الأسد بن كلدة الجمحي والاستفهام للإنكار عليه كفره والتعجب من حاله ونداؤه (يا أيها الإنسان) مشعر بالاهتمام.
(فعدلك) قرأ نافع فعدلك بتشديد الدال. وقرأ حفص بتخفيفها.
٥ روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ (إذا السماء انفطرت) قال غره جهله قيل للفضيل بن عياض لو أقامك الله يوم القيامة بين يديه فقال (ما غرك بربك الكريم) ماذا كنت تقول؟ قال: كنت أقول غرني ستورك المرخاة لأن الكريم هو الستار نظمه ابن السماك فقال:
ياكاتم الذنب أما تستحي
والله في الخلوة ثانيكما
غرك من ربك امهاله
وستره طول مساويكا