معنى الآيات:
بعدما بين تعالى حال الأبرار في دار الأبرار وذكر ما شاء الله أن يذكر من نعيمهم ترغيبا وتعليماً بعد أن ذكر في الآيات قبلها حال المجرمين وما أعد لهم من عذاب في دار العذاب. ذكر تعالى هنا في خاتمة السورة ما أوجب للمجرمين وهو النار، وما أوجب للمؤمنين وهو الجنة فذكر طرفا من سلوك المجرمين وآخر من سلوك المؤمنين فقال عز من قائل ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا١﴾ أي على أنفسهم أي أفسدوها بالشرك والشر والفساد كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاصي وغيرهم كانوا من الذين آمنوا كبلال وعمار وصهيب وخبيب وأضرابهم من فقراء المؤمنين ﴿يَضْحَكُونَ﴾ ٢ استهزاء بهم وسخرية. ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ﴾ في شوارع مكة وحول المسجد الحرام ﴿يَتَغَامَزُونَ﴾ يشيرون إليهم بالجفن والحاجب على عادة المتكبرين ﴿وَإِذَا انْقَلَبُوا﴾ أي رجعوا ﴿إِلَى أَهْلِهِمُ﴾ في ديارهم ﴿انْقَلَبُوا فَكِهِينَ﴾ ٣ ناعمين معجبين بحالهم فرحين بما عندهم ﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ﴾ أي وإذا رأى أولئك المجرمون المؤمنين أشاروا إليهم وقالوا ﴿إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ﴾ بتركهم دينهم واعتناق دين محمد الجديد في نظرهم. قال تعالى ﴿وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ٤ حَافِظِينَ﴾ أي على أعمالهم وأحوالهم حتى يقولوا ما قالوا وإنما هم متطفلون يدعون ما ليس لهم كقبح سلوكهم وسوء فهومهم، قال تعالى ﴿فَالْيَوْمَ﴾ ٥ يوم القيامة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾ أي من الكفار ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ أي الأسرة ذات الحجال ﴿يَنْظُرُونَ﴾ إلى الكفار وهم في النار ويضحكون منهم وهم يعذبون ولا عجب في كيفية رؤيتهم لهم وهم في النار أسفل سافلين والمؤمنون في أعلى عليين إذ البث التلفزيوني اليوم قطع العجب وأبطله وقوله تعالى ﴿هَلْ ثُوِّبَ٦ الْكُفَّارُ﴾ أي هل جوزي الكفار على أفعالهم الإجرامية؟ والجواب معلوم مما تقدم إذ وصفت حالهم وبين عذابهم والعياذ بالله من عذابه وأليم عقابه.

١ الإجرام مصدر أجرم إذا ارتكب الجرم وهو الإثم العظيم وأعظمه الشرك والكفر.
٢ معنى يضحكون منهم أنهم يضحكون من حالهم وهي حال خاصة كالفقر والضعف أو ترك دينهم إلى دين آخر قال الحارث بن عبد يغوث:
وتضحك مني شيخة عبشمية
كأن لم تر قبلي أسيراً يمانياً
٣ قرأ نافع والجمهور فاكهين بصيغة اسم الفاعل، وقرأ حفص بدون ألف على أنه جمع فكه صفة مشبهة، والمعنى واحد كفارح وفرح.
٤ الجملة متضمنة معنى التهكم بأولئك الضاحكين الساخرين من فقراء المؤمنين.
٥ تقديم الظرف اليوم للاهتمام به لأنه يوم الجزاء وفيه تشفى صدور المؤمنين من الأعداء.
٦ الجملة فذلكة ما تقدم من اعتداء المشركين على المؤمنين وما ترتب عليه من الجزاء يوم القيامة والاستفهام بهل تقريري وتعجب من عدم إفلاتهم منه بعد دهور، وثوب بمعنى أعطى الثواب يقال أثابه وثوبه إذا أعطاه ثوابه وهو جزاء عمله وفي التفسير الثواب تهكم واضح بالمشركين نحو بشرهم بعذاب أليم.


الصفحة التالية
Icon