معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ١ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾ إنه بعد أن بين الدين الحق المنجي من العذاب والموجب للنعيم وهو الدين الإسلامي أخبر تعالى أن من كفر به من أهل الكتاب ومن المشركين هم في نار جهنم خالدين فيها هذا حكم الله فيهم لكفرهم بالحق وإعراضهم عنه بعدما جاءتهم البينة وعرفوا الطريق وتنكبوه رضا بالباطل واقتناعا بالكفر والشرك بدل الإيمان والتوحيد هؤلاء الكفرة الفجرة هم شر الخليفة كلها. وهو معنى قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ٢ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ كما أخبر تعالى بأن جزاء من آمن بالله ورسوله وعمل بالدين الإسلامي فأدى الفرائض واجتنب النواهي وسابق في الخيرات والصالحات هؤلاء هم٣ خير البرية إذ قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ وقوله ﴿جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ أي جزاء أولئك الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما جاء به من الهدى والدين الحق أولئك هم خير الخليفة وقوله ﴿جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ أي يوم يلقونه وذلك بعد الموت ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ أي بساتين إقامة دائمة خالدين فيها أبدا أي لا يخرجون منها ولا يموتون أبدا وقوله ﴿رَضِيَ٤ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ أي رضي الله عنهم بسبب إيمانهم وطاعتهم ورضوا عنهم بسبب ما وهبهم وأعطاهم من النعيم المقيم في دار السلام وقوله تعالى ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ٥ رَبَّهُ﴾ أي ذلك الجزاء المذكور وهو جزاء عظيم إذ جمع لأهله فيه بين سعادة الروح وسعادة البدن معا هو جزاء عبد خاف ربه فلم يعصه حتى لقيه بعد موته وإن عصاه يوما تاب وإن أخطأ رجع حتى مات وهو على الطاعة لا على المعصية.

١ كفروا أي من بعد ما جاءتهم البينة من الطوائف الثلاثة حكم اله تعالى فيهم بأنهم شر الخليفة فهم شر من القردة والخنازير وأخبث أنواع الحيوان كالحيات والثعابين لأنهم كفروا بربهم وفسقوا من أمره واستوجبوا لعنته وعذابه فكانوا بذلك شر البرية.
٢ البرية الخليفة إذ هي من برأ إذا خلق والباري الخالق وأصل البرية: البريئة قلبت الهمزة ياء وأدغمت في الياء فصارت البرية بياء مشددة وقرأ نافع البرئة مهموزا على الأصل وخففها حفص فقرأ البرية كالخلية وزناً. ا
٣ أي في حكم الله وقضائه وحصلت لهم الخيرية بإيمانهم بربهم واستقامتهم على منهج شرعه فكملوا في أرواحهم وأخلاقهم وتهيئوا للملكوت الأعلى فكانوا بذلك خير البرية اللهم اجعلنا منهم.
٤ قول البعض رضي أعمالهم هروبا من عقيدة السلف وإلا فالآية نص في رضاه تعالى عنهم وإن كانت الأعمال سببا في رضاه إذ الأعمال طهرت نفوسهم وزكت أرواحهم فاستحقوا رضى الله فرضي عنهم ورضى الله أكبر من نعيم الجنة كقوله تعالى ورضوان من الله أكبر.
٥ الخشية الموجبة لهذا النعيم المقيم هي ثمرة العلم إذ لا خشية بلا علم قال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء فلذا وجب طلب العلم وهو العلم بالله ومحابه ومكارهه ووعده ووعيده إذ هذا هو العلم الذي يثمر الخشية.


الصفحة التالية
Icon